السبت , 25 يناير 2025
غلاف القفص المفتوح

قراءة في النص المسرحي “القفص المفتوح” للطبيب الأديب أمير الشبل

= 798

 

 بقلم الأديب: صابر الجنزوري

 

قبل البداية لك ان تتخيل عزيزي القارئ

مثلثا متساوي الأضلاع قمته ” الدين”

وقاعدته “السياسة” ثم ” الإلحاد”

هذا هو الرسم الهندسي للقفص المفتوح

الذي تدور فى داخله أحداث النص المسرحي

الذي بين أيدينا.

قال الدكتور أمير الشبل عن نص

القفص المفتوح أنه فى الأصل كان رواية

تحولت إلى مسرحية فاعتمدت

على الحوار فابتعدت عن السرد الروائي والقصصي فخرجت فى تلك الصورة التى

أرادها طبيبنا الأديب دكتور أمير الشبل.

و بعيدا عن الجانب الفني والبناء والهيكل

الدرامي التراجيدي للمسرحية

أقدم قراءة و رؤية  تعتمد علي

الجانب الآخر لرؤية المتلقي التي ربما تكون مغايرة او تتفق مع ما أراد المؤلف أن يقدمه للقاريء أو المشاهد للمسرحية؟

المتلقى دائما ما يسأل نفسه بعد

قراءة النص أو مشاهدة العرض

ماذا أراد المؤلف أن يقول؟

د. أمير الشبل

ومن هذا المنطلق أتناول الجانب الفكري

عند المؤلف وألتقي معه كمفكر لا كمؤلف مسرحي او كاتب روائي فقط …لماذا ؟!

الجواب يأتى فى بساطة لأن العمل الذي قدمه المفكر هنا هو عملا فكريا  فى المقام الأول فقد استخدم العصف الذهني

 لفكرة ” الدين “

وفكرة “السياسة”

فكرة السياسة من خلال فكرة الحكم ووراثة الحكم ثم قدم فكرة الدين وألحقها بالسياسة ؟ فماذا قدم من خلال ذلك التداخل؟

فكرة الدين أفيون الشعوب

وفكرة أن الحكم كي يستمر

لا بد له من دين ؟

وإذا لم يوجد دين

يخترعوا دينا يدعم الحاكم من خلال معجزة

تؤلهه وتجعل منه إلها حكيما أو نبيا يصنع المعجزات.

من هنا نجد البداية فى مكان ما نجد مملكة صغيرة وضعت لنفسها قانون ” الإلحاد ”

لتكون مملكة محايدة تنعم بالأمن والسلام

بعيدا عن الحروب و الدول المتحاربة…

لم يتم تحديد موقعا جغرافيا لهذه المملكة وهذا ذكاء وظفه مفكرنا باقتدار شديد كي يهرب من أي مساءلة قد لا تكون فى الحسبان ؟!

الملك على وشك الموت والدستور يورث الحكم للابن الأكبر شرط ألا يكون مريضا؟

هنا يظهر الدين ..كيف ؟

الإبن الأكبر الأمير ” ألسيك ” مريضا بالقلب

والملكة الأم تريد لإبنها أن يكون ملكا حتى لا يذهب الملك والمملكة لعمه أمير الجيوش..

هنا :

يظهر ” ديفلين ” ورفاقه من الفلاسفة والكتاب والشعراء والأطباء  و السياسيين ..الخ

يعقد ” ديفلين”  اتفاقا مكتوبا يتم ختمه بخاتم الملك والوريث والملكة ” الأم ” وينص الإتفاق أن يعطى الوريث بعد أن يصبح ملكا يعطي ديفلين ورفاقه وطنا قوميا لهم ..؟!!

فمن هم هؤلاء ؟!

وما هي رمزية اعطاء وطن قومي لهم ؟!!

هنا نتذكر ” وعد بلفور ” الشيطاني ؟!

لعلنا نتعمق أكثر فى المشهد فنجد

فى هذا الإتفاق والمشهد هناك دلالة للأسماء فاسم ديفلين نجده ترجمة لإسم الشيطان بالإنجليزية  

” .devil”

كذلك  رفاقه وأصحابه ، فالسياسي والفيلسوف

والشاعر والعالم  والممثل منحهم الكاتب

أسماء وإن كانت صعبة ان نتذكرها لكنها تناسب ذلك الزمن الذي اختاره للأحداث فى القرن الرابع عشر.  

 والإتفاق الذى عقده ديفلين مع الملكة والوريث يذكرنا باتفاق فاوست مع الشيطان

فى مسرحية فاوست فالتناص هنا استخداما

وتوظيفا خدم النص وحبكة العمل بشكل أكثر من جيد ، فماذا كان الإتفاق ؟

الإتفاق هو صناعة دين جديد للمملكة الملحدة وكي تصنع دينا لا بد من وجود معجزة والمعجزة تحتاج إلها أو نبيا ، فكان لا بد ان يكون الأمير ” ألسيك ” ابن الملك والوريث

 هو صاحب المعجزة ؟!

هذا ما فعله ديفلين!!

ان يجعل الأمير يموت بشرب السم نتيجة يأسه من مرضه أو نتيجة مؤامرة عليه كمبرر أمام الناس الذين هم الشعب وكي تحدث المعجزة لا بد أن يقوم الأمير من الموت ؟!

هذا ما حدث ، مات الأمير واختفي أمام الشعب

ثم قام من الموت بعد ايام فحدثت المعجزة واعتقد فيه الناس أنه إلها وأنه نبي وأنه صاحب دين جديد فصار الحكم للأمير وتزوج من ابنة عمه الأميرة الجميلة المحبوبة والتى صارحها بحقيقة الموت والقيامة فعرفت أنها كانت تمثيلية فقد دخل من سرداب واختفي وخرج من باب آخر ..وبتلك الخدعة أصبح هناك دينا جديدا للمملكة؟!!

لكن الإيمان الحقيقي كان قد دخل قلب الملك والملكة فرفضا إكمال المؤامرة والتمثيلية خاصة عندما استشعرا أن بعض الشباب لا يقتنع وفى قلبه شك فظهر من العامة ذلك الشاب وخطيبته اللذان تعاونا مع الملك والملكة لإفساد مؤامرة ديفلين والشياطين رفاقه ؟! فكان لا بد ان يتم الحصول على المواثيق والكتاب من خزينة ديفلين …الخ

وفى عيد قيامة الملك سلم الشاب الكتاب والعهد والمواثيق للملكة وكشفوا زيف ديفلين ووطنه القومي المزيف وقبض عليه ومعه رفاقه.

تلك كانت حدوتة الرواية التى اصبحت مسرحية والتي

اعتمدت على حوار وعصف ذهني وفكري كبيرين ، فتناول فكرة الدين ووضعها فى عمل أدبي ليست بالفكرة السهلة ولعلنا نتذكر فى ذلك كتب السابقين فى تناول الدين وفكرة الإله وتناول الإلحاد وأسبابه والمزج بين الدين والسياسة ..حاول د. أمير ان يقول كثيرا

ففكرة أن لكل أتباع دين أو فكرة يعتقدون أنهم على حق ودونهم على باطل وأن لهم الجنة وغيرهم له النار والجحيم ..

لكن أهم ما نستطيع ان نتوقف أمامه من خلال ما قدمته المسرحية أو النص أسئلة كثيرة من خلال الحكاية والحوار والمشاهد والفصول

أهم هذه الأسئلة دون حرج :

هل الدين صناعة بشرية ؟

فالأحداث التى دارت منذ المشاهد الأولى تقول

أن الذي صنع الدين بشر من خلال خدعة ومؤامرة الموت والقيامة كانتا خدعة

حتى يؤمن العامة بالإله الجديد أو الملك الجديد؟!

لكننا نجد د. أمير يقول على لسان أحد ابطال النص فيما معناه : إن الإيمان فطرة موجودة بداخل كل إنسان وليس الإيمان بدين فقط ولكن الإيمان بأي شيء حتى لو كان فكرة ما.

الإنسان يبحث عن شيء يؤمن به حتى لو كان خرافة او أسطورة ..وهذا ما حدث فى النهاية الموفقة فى العمل حيث كان المشهد الأخير

نجد نقلة مسرحية مشهدية زمنية نقلت الأحداث فجأة من القرن الرابع عشر إلى القرن العشرين

فنشاهد من يقفون على قبر الملك الإله الذي صدقوا موته وقيامته ليقول لنا المشهد والمؤلف أن الخرافة باسم الدين ستظل موجودة فى كل زمان ومكان لأن الإنسان يصدق الخرافة ويعتقد فى الغيبيات أكثر ما يعتقد فى الحقائق ولا يريد إعمال عقله وأن الدين الحقيقي هو الفطرة الإنسانية التى تجعل من الإيمان  بوجود الإله والدين والرسل رسالة وشفرة لا تحتاج صعوبة فى تصديقها وأن الذين يشوهون تلك الرسالة

شياطين الإنس والجن كما جاء فى النص متمثلا فى ديفلين ورفاقه؟!

وقبل الختام نتوقف مرة أخرى على المحاور الرئيسية للقفص المفتوح :

فكرة الإلحاد

فكرة الدين

فكرة صناعة الدين

فكرة التناص مع قيامة وموت المسيح

فكرة التناص مع مسرحية فاوست

وكتابة العهد بين ديفلين والملك

فكرة المفكر والمثقف والشاعر

والسياسي والممثل والطبيب والمهندس

وعالم الفلك والكيميا والفيزياء

بأن جعل طبيبنا الأديب دكتور أمير

جعل كل هؤلاء أتباعا للشيطان ” ديفلين “

وأن هؤلاء هم من يستطيعون تنفيذ المؤامرة

والخدعة فهل كل اصحاب العلم والفن والثقافة

أتباعا للشيطان ؟

ربما أجد مشكلة النص تتلخص فى  مفهوم صناعة الدين فقد تصل بشكل خاطئ للمتلقي فلن تصل الفكرة الحقيقية للجمهور وقد يساء فهم النص إذا لم يكن هناك معادل موضوعي آخر يظهر بقوة فى مشهد أو حوار يوضح وجود الإله والدين والرسل والكتب السماوية ..

المفهوم الثاني لوجود العلماء والفلاسفة والمفكرون كرفاق للشيطان او هم أهل الذكر فى العهد القديم مع أنهم اصحاب التنوير فى الأمم ؟!

فقد يساء ايضا فهم ذلك التصنيف بالنص.

أخيرا وليس آخرا بنظرة أخيرة ونظرة وداع للنص والقفص المفتوح فقد فسره الدكتور أمير وقال : إن القفص المفتوح هو الدين تدخله بالوراثة او بالإرادة ولا تستطيع الخروج منه؟!

قد نختلف وقد نتفق ولكن يبقى أننا أمام عمل فكري وعصف ذهني نتمنى أن نراه على خشبة المسرح قريبا ويصبح الحكم الأخير للعمل للجمهور.

اختم بجملة رائعة فى النص تقول :

لا تضحكوا على أنفسكم فليس فينا من يخلوا من الإيمان بشيء ما  ، وسواء كان ما يؤمن به حقا أو باطلا ، صحيحا او فاسدا ، فكلنا نحتاج لقدرة ما نفزغ إليها عند الصعاب ونتقرب لها بالعبادات لترضى عنا.

كل التمنيات الطيبة الجميلة لطبيبنا الأديب

وأديبنا الطبيب والمفكر والكاتب المسرحي

 د / أمير الشبل

بدوام التوفيق والإبداع والتألق والنجاح.

————————–

١٢ يونية ٢٠٢٤

 

شاهد أيضاً

اماكن لها تاريخ: قصر رأس التين  

عدد المشاهدات = 678 بقلم الكاتبه :هبة الأفندي    المؤسس:  محمد علي باشا  سبب الانشاء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.