الثلاثاء , 23 أبريل 2024
مناقشة رواية " محاولة الإيقاع بشبح" للروائي هاني عبدالمريد

هاني عبد المريد في ” محاولة الإيقاع بشبح ” يعوض غياب دفء العائلة بدفء الحكاية

= 1310

كتبت: علياء الطوخي

أقام المركز الدولي للكتاب ندوة امس لمناقشة  رواية “محاولة الإيقاع بشبح” للروائى  هانى عبد المريد , وتم مناقشة الرواية من قبل الناقد سيد ضيف الله، والناقدة جهاد محمود، وادار الندوة الناقد رضا عطية.

ومن أجواء الرواية: “في ذلك اليوم، كنا قد أدركنا بعد محاولات عدة، أن أبي وأخي الأكبر قد تحولا بالفعل لدميتين من المطاط، مجرد دميتين لا نفع منهما، ولا شيء استطعنا تقديمه لهما ليعودا لطبيعتهما البشرية كما كانا، حينها تركناهما ملتصقين بالبيت، صحونا مبكرًا، ارتديت ملابسى معتمدًا على نفسى، كما تعلمت مؤخرًا، ارتدت أختي الصغيرة ملابسها أيضًا بنفسها، بينما وقفت أمي تعلمها كيف تصفف شعرها سريعًا دون مساعدة من أحد، ونحن نتبادل التثاؤب كقطط صغيرة، ربما بسبب القلق وعدم النوم طوال الليل استعدادًا للسفر، الذي بدا لي كمغامرة”, و”حين تأتي أمي لزيارتي كل عدة أشهر، صرت أدقق النظر في ملامحها، وهي تتحدث بينما بالها مشغول، وهي تحاول جاهدة الضحك على نكات بائسة يطلقها الخال، وهي تدس في يدي مئات الجنيهات، ناطقة بكلمات لم تتغير:

“خليهم معاك يمكن تحتاج لحاجة”

يقدم هاني عبد المريد في تلك الرواية حلولاً لكل مشاكل العالم عبر الحكاية، فالحكاية وحدها قادرة على محاربة العمى واستعادة الأرواح الضائعة وتحويل الدمى إلى كيانات بشرية من لحم ودم والانتصار على الواقع وهزيمة الأسطورة، لكن بشرط أن تختار الحكاية المناسبة، المهم أن تحكي “حتى لو قصصت كل حكاياتك واحدة تلو الأخرى، حتى تأتي الحكاية التي ينتظرها الجميع بكل شغف”، كما قال على لسان إحدى بطللات روايته, وبالطبع حياة الراوي السارد: (تتمحور حول نوعين من الأشباح، أشباح تطاردنا ونحاول طوال الوقت الفرار منها، وأشباح نطاردها، وربما ندفع حياتنا طائعين ثمنًا للإيقاع بها).

ولهذا يقدم هاني عبد المريد تنويعاً جديداً على سرد “ألف ليلة وليلة”، عبر خطين درامين متوازيين، أحدهما فانتازي (حكاية هانم وزوجها والعجوز)، والتي تروي فيه حكايات غرائبية لتستعيد عائلتها، فضلاً عن اللغة الموحية وأسطرة الشخصيات (العجوز على وجه التحديد)، بل إن هانم نفسها تستعين بكتاب “ألف ليلة وليلة” لتقص منه الحكايات على زوجها

الخط الآخر واقعي، لكنه يبدو فانتازياً من فرط غرابته، ويتبادل فيه الخال يونس والفتى يامن الحكايات للانتصار على الحياة وواقعهما المأزوم، عبر لعبة الكلمات التي تفضي بدورها إلى حكايات أخرى. يقول يامن: “جاءني خاطر أن الخال ستنتهي حياته يوم تفقد حكاياتي بريقها بالنسبة له”، ولهذا السبب يلجأ إلى مزج الخيال بالواقع (أليس هكذا تصنع الحكايات)، بل يتحول إلى “قناص يحاول طوال الوقت الإيقاع بما يرضيه من حكايات” كما يصف نفسه.

كل من في الرواية يقدم حكايته الخاصة لتجاوز أزمته، بل إن الرواية نفسها حكاية داخل حكاية، وتنتهي ونحن لا نعرف ما هي الحكاية المناسبة التي تحتاجها “هانم” لكي تعيد الحياة إلى أجساد زوجها وولديها، وهكذا يترك هاني عبد المريد الباب مفتوحاً لمحيط لا نهائي من الحكايات الأخرى التي يجب أن تروى، وهكذا يظل الأمل دائماً معلقاً بالحكاية طريقاً للحياة وللخلاص وللنجاة.

 

حيث تنقل هانم الحكايات من العجوز إلى زوجها وولديها، دون أن تعيها أو حتى تحفظها “لم أشعر أنني أحمل حكاية، لم أشعر بأن لدي ما سأقصه عليهم في البيت حين أعود”، وكأن الغرض من الأمر كله هو الحكي، هو تلك الكلمات السحرية التي تملك طاقة الشفاء، مثل قراءة كلمات مقدسة غير مفهومة على مريض ليُشفى، أو أمام باب ليُفتح، كأنها “افتح يا سمسم”، أو “هابرا كادابرا”، أو غيرها من الكلمات السحرية التي تحمل طاقة الخلق والتغيير.

ويرى الخال يونس عبر الحكاية وحدها، ويستعيد الأب مرزوق وولديه حواسهم كلها عبرها أيضاً. كأن هاني يريد أن يقول لنا إن الحكاية هي عصا الإله السحرية التي تمنح الحياة، كأنها النبي عيسى الذي يحيي الموتى، كأنها الروح التي تهب كل جماد نعمة الحياة، كأنه يريد أن يقول إن الحكي يكفي لمواجهة العالم، ويمكنه أن يكون حائطاً يتكئ عليه الجميع لهزيمة مخاوفهم وموتهم الافتراضي والحقيقي.

 

ونلاحظ ان الروائي مغرم  بـ “الحكاية” ورؤيته لها علاجاً موجود في معظم أعماله, فجميع عناوين قصص مجموعته البديعة “أساطير الأولين”، تبدأ بكلمة “حكاية”، كتأكيد على غرامه بفكرة الحكي المجردة من أي شيء آخر, و أن العائلة أن تحضر كمكون رئيسي في جميع أعمال هاني عبد المريد “لذا نجد في تلك الرواية حيث العائلة التي تفتتها الظروف، وهو ما يجعلنا إزاء أبطال مأزومين طوال الوقت، يواجهون أزماتهم بالكتابة (جميعهم يكتب مذكراته بطريقة أو بأخرى)، كأن غياب دفء العائلة يستعيض عنه الراوي بدفء الحكاية سواء كان ذلك عبر المونولوج الداخلي أو الديالوج.

تعد الرواية الرابعة والكتاب الثامن، بعد ثلاث روايات وأربع مجموعات قصصية.

 

يذكر أن هاني عبد المريد من مواليد القاهرة في 3 من ديسمبر 1973، يعتبر من الأدباء الذين يمتلكون قراءة لغوية مميزة،  له أكثر من مجموعة قصصية أبرزها “إغماء داخل تابوت”, ورواية كيرياليسون لدار النشر والتوزيع 2008 و”أساطير الأولين” التي حصلت على جائزة ساويرس لشباب الأدباء في عام 2013 كما له عدة روايات حصل بعضها على جوائز مختلفة ومنها جائزة مؤسسة ساويرس الثقافية في المجموعة القصصية 2013 و”أنا العالم” التي نالت جائزة الدولة التشجيعية عام 2018.

 

 

 

شاهد أيضاً

موعد وقفة عرفات وأول أيام عيد الأضحى المبارك باليوم والتاريخ

عدد المشاهدات = 1552  تشير الحسابات الفلكية التى أعدها معمل أبحاث الشمس بالمعهد القومى للبحوث …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.