الخميس , 25 أبريل 2024

الأبناء..وغياب الأب

= 2364

بقلم: عادل عبدالستار

الأب كما تصفه دائماً الكتب والنظريات بصورته الحقيقية هو الداعم الأول والأساسي للأسرة وهو المأمن لها من العوامل الخارجية ، وهو الذي يحقق للأسرة استقرارها المادي والاجتماعي، وَمِمَّا هو مؤكد فإن غياب الأب أو غياب دور الأب الموجود يعد واحدا من أقوى الأسباب التي تفرض على الأسرة إعادة صياغة حياتها بطريقة تبدو مختلفة عن المعايير الأسرية المتعارف عليها او الطبيعية.

وبالرغم من أن غياب الأب قد يكون لأسباب منطقية، كالسفرمن أجل العمل أو أحيانا طبيعة العمل التي تتطلب أن يغيب الاب وقت طويل … كمن يعملون فى المناطق الصحراوية او فى العاصمة وهم من محافظات ومناطق بعيدة ، إلا أن الابناء وخصوصاً الاطفال يصعب عليهم تفهم هذا الغياب وتقبله ، وتزداد المشكلة عندما تفقد الأم القدرة على التكيف الجيد مع غياب زوجها عنها وينعكس ذلك على مزاجها وسلوكها، بل وحتى تعاملها مع أبنائها .
ثم يأتى الامر الاكثر ألماً وتعقيداً وهو أن هناك غيابا آخر يفرضه الأب حتى في حال وجوده، فالأب المنعزل عن أبنائه والذي لا يهتم بالجلوس معهم أو محاورتهم أو مناقشتهم وتلبية احتياجاتهم يعد من أشد أنواع الغياب تأثيرا على الأطفال، حيث يمثل لهم ذلك الغياب الافتراضي نوعا من الإساءة العاطفية التي تشعرهم بالقلق وانعدام الشعور بالأمان كما أشار لذلك أستاذنا الدكتور طارق الحبيب أستاذ الطب النفسى.

وتؤكد الدراسات أن من أهم أسباب فشل الأبناء دراسيا وانحراف سلوكياتهم وتزايد نسبة العنف عندهم هو غياب الآب أو غياب دوره وعدم احتكاكه بأبنائه.
كما أن غياب الأب يمثل غياب أحد أهم الجوانب الفكرية لدى الأبناء، مما يفقدهم فرصة تكوين المعارف والقيم وتشكيل الوجدان .

وبالرغم من أن وجود الأم قد يعالج الكثير من مشاكل غياب الأب، إلا أن هذه المعالجة تحتاج لأم تمتلك قدرات ذاتية ومعرفية وعاطفية، من: ثقة بالنفس وقوة في الشخصية وحزم وعاطفة متزنة وسعة في الأفق تمكنها من إدارة انفعالات أبنائها بالشكل الذي يحميهم من الوقوع في الانحرافات السلوكية أو الفشل المتوقع، نظرا لغياب الضابط الحقيقي وهو الأب.

إن الأم الناضجة هي التي تدرك تماما أن القلق الذي ينتاب الطفل هو قلق حتمي ومنطقي نتيجة لفقده قيمة وجود الاب ، وهذا النضج والوعى يساعدها أن تصبح أكثر قدرة على تحديد احتياجات أبنائها وبالتالي على تحديد الوسائل التي من خلالها تستطيع أن تسد الثغرات والفجوات وزرع القيم والمفاهيم التى يحتاجون اليها.

ايها السادة …كان هذا هو المرض والاعراض ..ويبقى السؤال الاهم ..ما هو العلاج؟

1/ على الاباء أن يدركوا مدى خطورة هذا الغياب أولا .. ومدى تأثيره على الابناء
2/ عليهم العمل على تقليل او تجنب هذا الغياب قدر الإمكان
3/ أعلم أن الامر أحياناً يكون خارج عن الارادة مثل السفر مثلا او طبيعة العمل ولكن ورغم هذا على الاب هنا أن يستخدم كل الوسائل المُتاحة للتواصل مع الابناء وإحساسهم أنه موجود رغم البعد ، عليه أن يحرص جدا على الاتصال بهم وبشكل مُتكرر يومياً لتعويض ما يمكن تعويضه ، ثم حين وجوده معهم فى الاجازة عليه أن يكون معهم معظم الوقت ولا يفارقهم .. يحدثهم .. يتناقش معهم..يتحاور معهم يلعب معهم .. يفسحهم.. وهكذا …هناك أم تعمل فى عملها الحكومى صباحاَ .. ثم تعمل ليلا من 7 م الى 7 ص فى العمل الخاص ، تعمل كل هذا من أجل أبنائها ، ولكن أبنائها اتهموها بالتقصير فى حقهم وإنها لا تتحاور معهم ولا تجلس معهم ولا تعرف مشاكلهم .. ألخ … رغم إنهم من اسرة بسيطة ويحتاجوا فعلا لعمل الام الا أن الابناء لهم إحتياجات أخرى لا تتوفر الا بتواجد الاب والام وهم فى هذا عندهم الف حق ، اقول هذا كى أشير أن هناك أمور يجب أن تُضع فى الحُسبان ، ولا نعتقد أن المال فقط يكفى لإرضاء الابناء او تربيتهم
4/ بالنسبة للاب المسافر .. عليه اذا رأى فى زوجته النضج الكافى للتربية فعليه الا يدتخل فى طريقة تربية الاولاد ، لان حتى تدخله لن يُحدث فارق بل سيُربك الزوجة ويُزيد من حملها .. لانها ربما تسعى لإرضائه وتنفيذ كلامه ، وهو الذى يتحدث عن بعد لا يرى ما تراه هى .. ولا تسعى ابداً لاثبات رجولتك او دورك فى التربية وانت بعيد .. إنما اذا لك وجهة نظر او رأى أخبر به زوجتك بينك وبينها واتناقش معها واسمع منها والفت نظرها لما تريد ثم اترك لها الامر …هذا كله اذا كانت ناضجه وعاقله … اما اذا كانت غير ذلك فعليك ان تُنهى سفرك فورا وتعود لأولادك لانهم اهم بكثير من السفر والمال .

وكنت قد عرضت المقال على مجموعة من الاصدقاء قبل النشر وقال لى أحدهم أن طلبى بأن يترك الاب السفر من أجل أبنائه فى حالة أن زوجته غير ناضجه هو حل صعب ، فمن هذا الذى سيترك السفر !! فقلت له أذن ما الحل من وجهة نظرك ؟ فقال يمكن للاب أن يتابع أولاده عن طريق التيلفون يومياً ، يمكن له أن يراهم بالكاميرا ، يحكى لهم كل تفاصيل يومه وهم كذلك حتى تديق مسافة البعد بينهم ، يٌزيد من أجازاته خلال السنه الواحده …ألخ .. فنظرت له وقلت مازحاً أبشرك بأن كل هذا لم ولن يُفيد اذا لم هناك زوجة عاقله ناضجه تستطيع أن تقوم بدور الاب الى حد ما ، واقول للجميع …

إنها تربيه أيها السادة ولن ينفع فيها متابعه بالتيلفون او ماشبه ، التربية تواجد ، نُصح ، متابعه ، ارشاد ، حزم ، حنان ، حضن ، التربية تحتاج لقيمة وجود الاب ، مصدر الامان والسند ، مرة أخرى أقول أن على الاب المسافر أن يجتهد أن يقلل من فترة سفره قدر الامكان وليعلم جيداً أن بناء الانسان أهم بكثير من بناء البُنيان .

حفظ الله أبنائنا وبيوتنا …. حفظ الله مصر … أرضاً وشعباً وجيشاً

——————
* ممرض بالطب النفسي.

شاهد أيضاً

د. عائشة الجناحي تكتب: لو كان خيراً

عدد المشاهدات = 2972 ألطاف رب العالمين تجري ونحن لا ندري، فكل شر يقع بنا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.