—
بقلم: د. منى حسين
بحياة كل منا مراحل ، هذه مرحلة الطفولة المبكرة بما لها من متطلبات ، وإلحاحات على الآباء والأمهات ، وبكاء وصراخ حتى يلبوا لنا ما نريده ، وإن لم يلبوه لنا أحسسنا أنهم يقسون أو يبخلون علينا ، فنتذمر ونسارع ونسألهم لم أنجبتمونا مادمتم لا تستطيعون تلبية احتياجاتنا ؟ فيصبرون علينا.
وتأتى مرحلة المراهقة بكل ما فيها من تغيرات بدنية ونفسية ، ونعانى من أزمات مختلفة هذه صحية وهذه عاطفية ، وهم يلاحظون ويوجهون ، وتمضى السنوات فى تغيراتنا المختلفة ، وهم يصبرون علينا ، فنحن غرس اليوم ونبتة الغد ، التى يقيسون بها مدى نجاحهم فى القيام برسالتهم المقدسة لإعمارالأرض.
نكبر ويأتى دورنا لنؤدى نفس رسالة أبائنا وأمهاتنا ، فتبقى أول خطوة هى إختيار شريك الحياة ، مرة بمرآة الحب التى ترسم لنا حياة وردية ، ونصطدم برفض الكبار لاختيارنا ، ويوضحون ما هو خلف الصورة ، فهذا امكاناته المادية لن تساعده على استكمال الرحلة ، وهذا دون المستوى ، وهذا بلا طموح ، وهذا سيكون يوما ما مثل هذا الرجل الذى اصطحبه معه “والده” ، وهذا ملامحه لن تعجبك عندما يكبر فى السن ، نصمت ونرى أنهم يرفضون اختياراتنا ليس لسبب واضح ، ولكن من أجل الرفض .
وفى نفس الأثناء ، يتقدم لنا الكثير والكثير ، فنرفض هذا لشكله ، وهذا لنسبه ، وهذا لأن أسلوبه فى الحديث غير راقى ، إلى أن يكتب لنا الله ، الشريك الذى نرتبط به ، ننقى الذاكرة مما مضى ، ونعتبر أننا لم نكن نرى من قبل ، فهذه الآن حياتنا وهذا شريكنا فى هذه الحياة ، نتفق ونختلف ، تمر بنا الأيام وفى كل يوم لنا هدف ، هذا أمل فى الحصول على عمل ، وهذا أمل فى الانجاب ، وما أن نحقق هدف نتطلع لهدف آخر.
فنصبح وكأننا فى صراع مع الزمن ، متى سنترقى فى عملنا ؟ ومتى سيكبر أبناؤنا ؟
ندور فى فلكهم ، ونحاول أن نحقق فيهم ما أخفقنا فى تحقيقه ، ويكبر الأمل بداخلنا ، إلى أن تنتهى رحلتنا مع أبنائنا ، وننظر ما حققنا من نجاحات فى تربيتهم وتعليمهم وعملهم وتزويجهم ، ونتذكر ما فعله آباؤنا وأمهاتنا معنا ، ونواجه بكل ما قلناه لهم من أبنائنا ، وكأن الكلمة دين واجب القضاء ، لكننا نضحك بداخلنا إنهم سيفهمون فيما بعد ، كما فهمنا نحن متأخراً .