الأربعاء , 24 أبريل 2024

د.علا المفتي تكتب: كلمة السر..!

= 2233

المشهد قبل الأخير:

ليل داخلي في حجرة نوم البطل والبطلة.

الزوجة تقف متحفزة في مواجهة زوجها. والزوج يجلس مطأطئ الرأس، على مقعد مجاور للسرير.

– تقول الزوجة بغضب ويأس: عمرك ما فهمتني، ولا هتفهمني.

– يرد الزوج محبطا: والله أنا احترت، ومش عارف ارضيكي إزاي؟!

تندفع الزوجة لتنزع بعض ملابسها من خزانة الملابس، وتلقي بها في حقيبة كبيرة، ثم تسرع نحو باب الشقة، لتذهب بلا عودة.

المشهد الأخير:

نهار داخلي. البطل والبطلة في مكتب المأذون. ثم تظهر كلمة النهاية على الشاشة.

نهاية حزينة أليس كذلك؟!

إنه مشهد متكرر، ليس في الأفلام والمسلسلات فقط، ولكن في قصص حياتنا الواقعية أيضا. وقد يتخذ اشكالا وألفاظا مختلفة، لكنه يحمل نفس المضمون. وقد يحدث أيضا في علاقات العمل أو الصداقة، وليس بين الأزواج فقط. والنهاية واحدة في أغلب الأحيان، وهي فشل العلاقة. وحتى إن استمرت العلاقة، فاستمراراها يكون ظاهريا فقط، من باب الحفاظ على الشكل العام أمام الناس أو لأسباب اقتصادية او اجتماعية إلخ.

ترى ما السبب في تلك النهايات الحزينة؟!

سوء التفاهم .. إنه سارق السعادة، وسفاح العلاقات. فكم من علاقة تم تدميرها، بسبب هذا اللعين. لكن كيف يحدث سوء التفاهم؟!

إنه خلل في عملية التواصل بين البشر. فالتواصل يعني وجود ثلاثة عناصر أساسية، هي المرسل والمستقبل والرسالة. وقد تكون الرسالة رموز لفظية منطوقة أو مكتوبة. وقد تكون حركات وإشارات وتعبيرات جسديه إلخ. وعدم وضوح الرسالة أو غموضها وتشوشها، قد يجعلها لا تصل للمستقبل، بنفس المعنى الذي أراده مرسلها. مما ينتج عنه الخطأ والخلط في الفهم، وما يترتب عليه من مشكلات وتبعات، قد تفسد العلاقات على اختلاف أنواعها. فتسوء علاقات العمل أو علاقات الصداقة أو علاقات الحب والزواج، بسبب أن طرفي العلاقة (المرسل والمستقبل) لم يستوعبا رسالة التواصل، فيما بينهما بنفس المعنى. فرغم أن الرسالة واحدة، إلا أن كل منهما ألبسها معنى مختلف، ومقصد مغاير. ومن هنا تولد المشكلات.

ولكن كيف تكون الرسالة مبعثا لسوء التفاهم؟!

قد تكون الرسالة واضحة اللفظ بين طرفي العلاقة، لكنها صيغت في كلمات منفرة، جعلتها تلبس معاني سيئة غير التي يقصدها الراسل. والأمثلة على ذلك كثيرة، من حياتنا اليومية. فمثلا قد تفشل زيجات بسبب سوء لغة الحوار بين الزوجين. فتنتقد الزوجة زوجها، أو ينتقد الزوج زوجته، بغية نصحها وإرشادها، لكنه لا يختار الكلمات والتعبيرات الجسدية، والانفعالات المناسبة، فتصل الرسالة للطرف الآخر، في شكل إهانة أو محاولة للتقليل من شأنه إلخ. وبتكرار مثل تلك المواقف، التي تتشبع بسوء الفهم، تتراكم في النفوس الضغائن تجاه بعضها البعض، وتولد الكراهية والحقد وتفشل العلاقات.

كذلك قد تتقطع روابط المحبة بين الوالدين وأبنائهما، بسبب مشكلات سوء التفاهم. فيحدث صراعا بين أفراد الأسرة، كان يمكن تلافيه، بانتقاء لغة محببة وتعبيرات مهذبة تحمل معاني الود والتسامح والتقبل.

فجزء كبير من أسباب نجاح العلاقات على تنوعها، قائم على مبدأ “الكلمة الطيبة صدقة”، ومبدأ “تبسمك في وجه أخيك صدقة”. فقد قال الله تعالى “ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون” (سورة إبراهيم، 24 ،25 )، كما قال تعالى “وقولوا للناس حسناً” (سورة البقرة، 83)، وقال جل وعلا “وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن” (سورة الإسراء، 53).

إننا نملك في أيدينا كلمات سر سحرية، يمكننا بها فتح أبوب القلوب والعقول، والفوز بعلاقات ناجحة مستقرة. لكننا مع الأسف لا نستخدمها. فما الذي يضيرنا إذا ألبسنا المعاني، أردية جميلة من الكلمات، التي تتحلى بالمشاعر الإيجابية، وكللنا هامة ألفاظنا بتاج من البسمات؟!! فالنقد اللاذع قد يهلك القلوب. لكن إذا غلفناه بأسلوب جميل منمق، قد يكون سببا في الإصلاح والتطوير، بدلا من الهدم والتدمير.

فمثلاً إذا أردت أن تنقد أحدهم، فابدأ أولا بالمميزات ثم العيوب. وإن ذكرت العيوب، فاختر كلمات لائقة بدون توجيه اتهامات. فمثلا قل لأحدهم الذي فشل في مهمة ما: إنك نجحت في كذا وكذا، ولكن في المرة القادمة عليك أن تنتبه لكذا، كي تنجز مهمتك على أكمل وجه.

وإذا أردت أن ينفذ أحدهم لك أمراً، فحوله إلى طلب، واسبقه بالمفاتيح السحرية “من فضلك وإذا سمحت إلخ” فإن أسلوب الأمر يولد العناد.

وهكذا الأمثلة كثيرة، لا يسعني حصرها في مقال قصير. لكن ما أود التأكيد عليه، هو أن ننتبه إلى أن معظم النار من مستصغر الشرر. فكلمة صغيرة غير منتقاه، قد تشعل حروباً. فجملوا مقاصدكم ومعانيكم، بزهور الكلمات ورياحين البسمات، لتطيب حياتكم وتصفو العلاقات.

———–

* مدرس أدب وثقافة الطفل بكلية البنات – جامعة عين شمس.

شاهد أيضاً

د. عائشة الجناحي تكتب: لو كان خيراً

عدد المشاهدات = 2244 ألطاف رب العالمين تجري ونحن لا ندري، فكل شر يقع بنا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.