الجمعة , 19 أبريل 2024

عبدالرزّاق الربيعي يكتب: طبيب السماء!

= 1956

استبشرتُ خيرا عندما كلّمني أحد الأصدقاء عن فريق تطوعيّ اسمه “كن متطوّعا” مؤلّف من مجموعة من الشباب العمانيين يدورون بين أسرّة الأطفال المصابين بمرضى السرطان في المستشفى السلطاني، يقدّمون لهم فقرات ترفيهيّة، وهدايا رمزيّة ، لما لهذه الأنشطة من مردود نفسي كبير على المرضى، وهذا ما تركّز عليه المستشفيات في العالم المتقدّم، إذ أنّها تولي الجانب النفسي للمريض أهمية كبيرة.

فحينما زرت زوجتي المرحومة في بلجيكا، خلال فترة العلاج، رأيت في المستشفى الذي تتلقى به العلاج فريقا طبّيّا يشرف على علاج كل مريض، هذا الفريق الذي يترأسه الطبيب المختص ، يتألّف من طبيب مساعد يتابع المريضة ،ويدرس حالتها الصحيّة، وتطوّراتها، وممرضتين، وطبيبة نفسانية تتابع أوضاعها النفسيّة، وتخفّف من معاناتها، وتعطيها الأمل بالشفاء، وضمن الفريق باحثة اجتماعية واجبها متابعة أمور المريض الاجتماعية، وما يتعلق بأسرته، وعلاقته بالأسرة، ومشكلاتها، وأمور الإقامة بالنسبة للأجانب، وذويهم ، وإذا كان للمريضة طفل، فإنّ تلك الباحثة تجتمع به، وتفهمه مرض قريبه ، كما حصل مع ابنتي، إذ أعطتها كرّاسات مدعومة برسومات لكي تكون على بيّنة ، وعلم بمرض أمّها، رغم صغر سنّها.

وقامت هذه الباحثة بالتنسيق مع صالون لتزويد المريضة بالكريمات التي تقلّل من آثار المرض, والعلاج الكيمياوي على وجهها، وكذلك تقوم بترتيب جدول لقاءات نصف شهرية مع مرضى سابقين تعافوا من المرض للحديث عن تجربتهم معه، ولقاءات أخرى مع مرضى يواصلون رحلة العلاج ليعرف المريض إنّ هناك من يشاركه الألم، ويتعلم منه كيف يواجهه، وتقوم الباحثة الاجتماعية بالتنسيق مع أحد النوادي الرياضية لإعطاء المريضة تمارين في اللياقة البدنية، والتنفس، باشراف مدرّب خاص، ويبقى المستشفى على تواصل مع المريض حين يغادر المستشفى، إذ يزوّده بعدّة أرقام، للإتّصال في أيّ وقت يحتاج به إلى مساعدة، وحين يتّصل يجاب عن طلبه فور الإتّصال.

المريض لا يتعافى بالحقن، والأدوية، فقط، بل برفع الحالة النفسيّة، ومتابعة وضعه الاجتماعي، وتوفير بيئة صحية كاملة، وهذا الجانب مهمل في الكثير من مستشفيات بلادنا العربيّة التي ترمي بثقلها على الطبيب، والدواء، وتهمل الجوانب الأخرى، وحتى خارج المستشفى، تفتقر مجتمعاتنا إلى ثقافة التعاطي الايجابي مع المريض، ومراعاة وضعه النفسي، ناسين أن المريض يكون شديد الحساسية، لذا يجب أن تكون هناك خصوصية، ومداراة عند التحدث معه، وكمثال على ذلك فإن أحد المرضى المصابين بمرض عضال، ومستمر على العلاج في الخارج، حدّثني عن رسالة وصلت إليه من الأهل، ففرح عند وصولها، لكنه ما أن فتحها حتى انقلب الأمر رأسا على عقب !! فالرسالة تقول إن هذا المرض يصيب الخطّائين، لتطهير الجسد، فسبّب انزعاجا شديدا للمريض، وهذا الإنزعاج ينعكس، تلقائيّا ، بشكل سلبيّ على وضعه الصحّي.

وخلال الزيارة، أو الإتّصال بالمريض ينبغي عدم ذكر أخبار سيئة، أو معلومات تحبط المريض، كما فعل قريب ذلك المريض حين بعث له رسالة فتحت له بوابة تطلّ على العالم الآخر بدلا من أن يدعو له بالشفاء ، فذلك الباب يتعب أي مريض، فإذا لم نكن قادرين على فتح نافذة للأمل، علينا الّا نفتح باب العالم الآخر.

وما المبادرات التي تقوم بها فرق العمل التطوعي أمثال فريق” كن متطوّعا” إلّا تأكيدا على إدراك شبابنا لأهميّة الجانب النفسي في الشفاء، فهذا عمل يدخل في باب رعاية المجتمع للمرضى، وهو واجب أخلاقي، وإنساني، وديني، فالرسول الكريم حثّ على زيارة المريض، لأنّها تبهجه، وتقوّي روحه المعنويّة، وكذلك أوصى بالدعاء للمريض بالشفاء، فهذا له دور في رفع معنويّاته ، فلعلّ الله يستجيب ، ” وأيوب إذ نادى ربه إني مسني الضرّ وأنت أرحم الراحمين ” فالله هو الشافي، وهو القائل ” وإذا مرضت فهو يشفين “، ولعلّ قول الشافعي يبيّن دور الإيمان في الشفاء :

طلبوا لي طبيب الورى
وطلبت أنا طبيب السماء
طبيبان ذاك ليعطي الدواء
وذاك ليجعل فيه الشفاء

وكلا الجانبين يكمل الآخر، وإذا كان السيد المسيح (ع) يقول في إنجيل متي “ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان”، فنحن نرى بناء على ما ذكرنا “ليس بالدواء وحده يُعالج المريض”، فهو يحتاج إلى جانب الدواء ، رعاية اجتماعيّة، وتقوية الجانب النفسي، وعطف “طبيب السماء”.

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: صلاة الرجال مع النساء.. باطلة!

عدد المشاهدات = 4013 نشر فضيلة الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب على صفحته الرسمية على …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.