الجمعة , 29 مارس 2024

د.علا المفتي تكتب: خديعة العمر..!

= 1551

تبدأ الحكاية مع ظهور أول شعرة فضية تتمرد على خصلات رأسك الداكنة. وأول خط يرسمه الزمن تحت عينيك. ثم انتباهك لشاب يافع يناديك قائلا: “عمي” فيثير دهشتك، لتسرع وتنظر لنفسك في المرآة محاولا التعرف على نفسك الجديدة. ثم تبدأ في رحلة مضنية، تحاول فيها حصر سنواتك الضائعة. لتكتشف فجأة، أنك تجلس في آخر مقعد، بآخر عربة من عربات قطار الشباب. وقريبا جدا ستطرد منه، فأنت تكاد تلامس أعتاب الكهولة.

ثم فجأة تباغتك أيامك البائدة، قافزة من صندوق الماضي. وتمر أمام عينيك ذكرياتك اليافعة، حاملة سنوات عمرك الكثيرة، محتشدة في لحظة واحدة، لتقول لك في قسوة، أن زهرة عمرك قد بدأت في الذبول. حينها ستقف مذهولا مكبلا، متسائلا كيف أفلتت سنوات عمري من بين يدي فجأة؟!

….مهلا صديقي، هون على نفسك، ثم خبرني بأي طريقة تحسب عمرك؟!

أتعلم أن للعمر أنواعا؟!

نعم فهناك العمر الزمني، الذي نحسبه بالسنوات. وهناك العمر العقلي، الذي يحسب بمدى النضج والحكمة. أما النوع الثالث، فهو العمر العاطفي، الذي يقاس بمدى تيقظ المشاعر، والقدرة على الحب والإحساس بالجمال والسعادة.

صديقي فضلا، أريدك أن تقف عند هذا النوع الأخير، من أنواع العمر الثلاثة السابقة. هل تدري لما؟! لأن عمرك العاطفي، مرتبط ارتباطا وثيقا ببهجة الروح. وإن الروح هي من تملك المفتاح السحري للشباب، وليس الجسد يا عزيزي. فمهما حافظت على صحتك الجسدية، وبالغت في العناية بها، فأخذت تحرص على تناول الغذاء الصحي، وممارسة الرياضة وخلافة، محاولا مجابهة هجوم جحافل الشيخوخة، لن تنجح إذا لم تحرص على صحة، وجمال ورونق روحك.

فجسدك ما هو إلا رداء يظهر تفاصيل روحك. فإن كانت الروح تعيش عمر الشباب، فإن الجسد سيظل يانعا. فما نحن إلا ما نفكر به عن أنفسنا.

بمعنى أبسط، إذا اقتنعت بفكرة، أن العمر ما هو إلا مجرد رقم، ومارست حياتك وكأنك شاب في كامل قوته وإقباله على الحياة، فإن عقلك اللاواعي سيصدقك، وسينعكس ذلك على جسدك أيضا ليحتفظ برونقه وحيويته. ولا أعني بذلك أن تتصرف تصرفات طائشة كالمراهقين، ولكن ما أعنيه، أن تستمتع بلحظات عمرك، وتعيش معتنقا أفكارا إيجابية، عن ذاتك وقدراتك وشكلك عموما.

إننا كثيرا ما نوحي لأنفسنا بأفكار سلبية عن أنفسنا، فنقول لذواتنا لقد مر العمر، و”يلا حسن الختام”، وما شابه من أفكار يستجيب لها العقل والجسد، فتصبح الحياة مجرد بكاء على الأطلال، وانتحاب على الشباب الضائع، ولا ندري أنه كما أعطينا لأنفسنا إيحاء بفكرة الشيخوخة ونجحنا في إقناع أنفسنا بها، فيمكن بالمثل أن نعطي أنفسنا فكرة مضادة بالشباب، وسننجح أيضا.

ألمح في عينيك شكا مما أقوله لك. لكن عليك قبل أن تتشكك فيما طرحته عليك من أفكار، أن تسأل نفسك: لماذا يظهر البعض أصغر كثيرا، من أعمارهم الزمنية الحقيقية؟! وبالمقابل لماذا يظهر البعض الآخر، أكبر من أعمارهم بكثير؟!

أظن أنني قد أجبت عن ذلك في السطور السابقة، فالسر يا صديقي في بهجة الروح، ومدى قدرتها على الحب والعطاء. وهذا لن يتأتى أو يتحقق، إلا إذا آمنا بيقين أن الروح لا تشيخ، ولا تموت، فالروح باقية. فأجعلها سعيدة مطمئنة. ولا تؤذيها بأفكارك السلبية. وعليك أن تحبها، لأنها منحة الله إليك. وحبك لها يعني محبتك لخالقها وإيمانك به.

وتذكر دائما أن عمرك مجرد رقم، يمكن أن تحدده أنت وليس الزمن.

———-

* مدرس أدب وثقافة الطفل كلية البنات – جامعة عين شمس

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: سندوتش المدرسة.. صدقة وزكاة

عدد المشاهدات = 7043 لا ينكر إلا جاحد ان الشعب المصرى شعب أصيل، شعب جدع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.