السبت , 20 أبريل 2024

د. علا المفتي تكتب: رحلة البحث عن شمس !

= 1512

لطالما أدهشتني تلك العلاقة، التي خلدها التاريخ، وكتبت عنها الروايات، واستُلهمت منها القصص. ولطالما بحثت عن كنهها الحقيقي، فهل هي تصنف كعلاقة صداقة، أم توأمة روح، أم علاقة تلميذ بأستاذ، أو هي قد تجمع كل تلك التصنيفات معاً؟!.

لقد بدأ انشغالي بالبحث في مضمون تلك العلاقة، بعد أن أهدتني إحدى صديقاتي رواية “قواعد العشق الأربعون” للكاتبة أليف شافاك. والحقيقة أنني في البداية، لم أكن متحمسة لقراءتها، نظرا لأني أمل سريعاً من قراءة الروايات الطويلة. لكن تلك الرواية استطاعت أن تجلسني في مكاني لساعات طويلة، محتضنة إياها، غارقة في عالمها السحري الرحب. فقد كانت بحق رواية ملهمة، أدخلتني إلى عوالم لم أكن أعرفها يوما ما. عوالم بُنِيت من معاني فلسفية وروحية راقية.

وأصدقكم القول أني ارتبطت نفسيا بتلك الرواية، حتى أني بكيت بصدق حينما كنت أقرأ آخر صفحاتها، وكأني أودع حبيباً لن أراه أبداً، بعد أن اعتدت على وجوده ورفقته. فقد توحدت مع شخوصها. وعشت مشاعرهم وآلامهم، بل وفكرت بعقولهم، وعشقت بقلوبهم. حيث أبهرتني العلاقة بين شخصية ذلك الدرويش الهائم، وشخصية العالم الفقيه. وكيف استطاع ذلك الدرويش، أن ينتشل العالم الفقيه، من مادية الحياة، ويعرفه على كنه ذاته، وكنه الحياة والكون، ويسقيه من خمر العشق الإلهي. فقد استطاع ذلك الدرويش، أن يجعل العالم الفقيه، يرى الدنيا من منظور الحب. فتفتحت له الآفاق الرحبة، ليتناغم مع حركة الكون والطبيعة في انسجام، ويحقق السلام النفسي.

إن العلاقة بين شخصية شمس التبريزي، الدرويش الباحث عن تلميذ، يلقنه ما تعلمه من دروس الحياة، وشخصية العالم الفقيه، جلال الدين الرومي الذي اكتشف نفسه، وأعاد اكتشاف وفهم معنى الحياة، على يد شمس في رواية “قواعد العشق الأربعون” قد أوقدت لدي الرغبة، في إيجاد مثل هذا الدرويش، الذي يساعدني على البحث عن مفاتيح ذاتي، وإعادة اكتشافها من جديد. فحتما كانت هناك كنوز مخبأة بداخلي لم أجدها بعد.

إننا مع الأسف نسعى في الحياة، دونما أن نعرف أنفسنا حق المعرفة. وإننا في حاجة إلى مرايا صادقة، ترينا أنفسنا، وتكشف لنا عن كنه ذواتنا الحقيقة، وكنوزها المخبئة. فكل منا يحتاج إلى البحث عن مرشد، أو معلم، يحتاج إلى شمس تبريزي، ينير له الطريق للوصول إلى ذاته الأصلية، وما بها من جمال وإبداع. فقد تفنن الخالق تعالى في رسم شخصياتنا، ونحتها بدقة بالغة. لكن مادية الحياة التي نعيشها، قد طمست كل جميل فطري أوجده الله فينا. لذا فنحن في أمس الحاجة، إلى البدء في رحلة البحث عن شموس، تضيء لنا عتمة نفوسنا، وتغوص بدواخلنا، لتخرج كل اللآلئ المكنونة في أعماقنا.

وإذا تأملنا حولنا، سنجد أن هناك الكثير من الشموس، بعضها قابلناه صدفة، والبعض الأخر سعينا للقائه. وإذا تأملنا أكثر، سنكتشف أننا كنا أيضا شموس لغيرنا. فنحن في هذه الحياة، نتبادل الأدوار. فأحيانا نتخذ دور التلميذ، وأحيانا نمارس دور الأستاذ.

فليساعد كل منا الآخر على إعادة اكتشاف الذات، والتنقيب عن كنوزها المدفونة. وليحاول كل منا البحث عن شمسه، أو شموسه ليقابل ذاته التي لا يعرفها، ويفهمها حق الفهم، ويفجر طاقاته وقدراته المخبأة.

إن الفهم العميق والصادق للذات، هو ما يجعلنا نتصالح مع أنفسنا، ونفهم الآخر والحياة، ونحقق السلام النفسي.

هيا .. فلنبدأ من الآن في رحلة البحث عن شمس، فلم يفت الأوان بعد.

——————
* مدرس أدب وثقافة الطفل بكلية البنات – جامعة عين شمس

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: صلاة الرجال مع النساء.. باطلة!

عدد المشاهدات = 4513 نشر فضيلة الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب على صفحته الرسمية على …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.