الجمعة , 29 مارس 2024

عبد الرزّاق الربيعي يكتب: نحو صفوف مرصوصة بلا أعاصير!

= 1874

في عام 1927 ألقى الشاعر أحمد شوقي قصيدة في محفل عربي تحدّث فيها عن الظروف التي توحّد الأفراد، والمجتمعات البشرية، تلك الظروف هي بلا شكّ الصعب منها، ففيها يحتاج الإنسان إلى أخيه، وتكون الحاجة أكبر عندما يتعرّض بلد إلى خطر محدق، يهدّد البشر، والحجر، والحياة عموما، كأخطار الحروب، والفيضانات، والبراكين، والزلازل، والآلام وفي تلك القصيدة استوقفني بيتٌ يشير به إلى تلك الظروف التي تصنع هذه الألفة، فتتحوّل من سيئة إلى حسنة، هذا البيت هو:

قد قضى الله أن يؤلّفنا الجر حُ وأن نلتقى على أشجانه

فمن حسنات الجراح أنّها تجعلنا نجتمع على ضفافها، لوضع الضماد لها، قبل أن يستفحل الداء، وبهذا تتحوّل المحنة إلى نعمة، بل أن الفرنسي ريشار جاكوبون يرى بضرورة وجود العدو من أجل توحيد الصفوف ،ورصّها ، ففي ذلك إثبات للذات، بقوله، ” لا بد لكل مجتمع انساني من عدو يساعده على رصّ صفوفه، وإثبات ذاته “،

وقد مرّت عُمان بظروف عديدة صعبة، وفي كلّ ظرف من هذه الظروف كانت تهبّ هبّة واحدة، وتقف وقفة رجل واحد انطلاقا من حس المواطنة التي من أهم ركائزها الشعور بالانتماء إلى مجموعة من الناس تعيش في مكان واحد هو (الوطن)، ومن تجليات هذا الانتماء المساهمة العملية في القضايا المشتركة، و(المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص؛ يشد بعضه بعضا)، كما جاء في الحديث الشريف، وقد جسّد العمانيّون هذه المعاني، فقدّموا مثالا حيّا على التلاحم بين أفراد المجتمع، وآخرها وقفتهم بعد إعصار (مكونو) ، وغلبة روح المشاركة في المجتمع العماني، والتنظيم، فعمل الجميع كخلية نحل من أجل تقليل الخسائر الناتجة عنه ، والحفاظ على الأرواح، وكان للقوات المسلحة وشرطة عمان السلطانية، دور كبير في معالجة الأزمة.

وكلنا نعرف أن إدارة الأزمة بالأسلوب العسكري، يُظهر نتائج إيجابية سريعة كون هذا الأسلوب يقوم على الانضباطيّة العالية، والتنظيم الدقيق، والمركزية، والعمل الميداني بإشراف المسؤولين عليه بشكل مباشر، ولا ننسى دور فرق الإنقاذ التطوعية التي ضمّت عددا من المتطوعين من فئة الشباب، وتقديمهم للخدمات بما يشير إلى تنامي ثقافة التطوع في المجتمع العماني، ولابد ّ أن نشير إلى جهود العاملين في شركات الكهرباء، والمياه، والاتصالات، والمركز الوطني للإنذار المبكر، ومركز الأرصاد الجوّيّة، ووسائل الإعلام، والأفراد الذين قدّموا خدمات جليلة، للعوائل التي تضرّرت من الإعصار، ولم يتوقف الأمر عند حدود السلطنة، وعمان سبّاقة في تقديم الخدمات الإنسانية للدول العربية الشقيقة إن اقتضت الظروف، وضمن هذا المنظور، شملت الرعاية السامية محافظتي سقطرى، والمهرة اليمنيتين، عندما أصدر حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظّم توجيهاته بضمّهما إلى خطط الإجلاء لموجهة إعصار “مكونو”.

وما أن توقّف الإعصار حتى بدأت إجراءات اعادة اصلاح البنية الأساسية المتضرّرة من جرائه، وانطلقت حملة “عُمان يد بيد” التي قامت بها اللجنة الوطنية للشباب، بالتنسيق مع قطاع الإغاثة، والإيواء في اللجنة الوطنية للدفاع المدني، ووجّهت دعوة للشّباب العازمين في التطوع الميداني، والتعاون مع أهالي محافظتي ظفار، والوسطى من مختلف محافظات السّلطنة، وانطلقت حملة شبابيّة تطوّعيّة أخرى هي حملة” صلالة تستعدّ” التي تنظّمها غرفة تجارة وصناعة عمان في ظفار، بهدف تنشيط موسم السياحة في المحافظة، وإصلاح ما خلّفته الحالة المداريّة، في بعض المناطق المتأثّرة.

وكانت البداية من دعوات شبابيّة وجّهت عبر وسائل التواصل الاجتماعي مع هاشتاق (صلالة_ تستعدّ) وخلال أسبوع بلغ عدد المتابعين 4 مليون، وكل ذلك بفضل روح المواطنة التي تجلّت بأرقى أشكالها، والتعاون، و(عُمان) تمتلك الكثير من المقومات الطبيعية، البشرية، الرصيد التاريخي، التي تجعلها قادرة على مواجهة الظروف الصعبة التي تمرّ بها، لذا وقفت ظفار على قدميها بسرعة قصوى، استعدادا لاستقبال زوارها في موسم الخريف، ومهرجانها السنوي.

لقد نجحت عمان في تجاوز الظرف، بشهادة الجميع، واليوم مضى الإعصار، وعادت الحياة إلى ما كانت عليه قبل هبوبه، ولكن أليس من المناسب أن نظلّ في حالة تأهّب دائم لكلّ ما هو طارئ، ولا ننتظر مؤثّرا خارجيّا، وتهديدا، لـ”نرص صفوفنا “كما قال الفرنسي ريشار جاكوبون، دون أن تجبرنا الظروف أن نقف وقفة رجل واحد؟

ماذا لو بقينا “يدا بيد” في كلّ الظروف، ما دمنا نعيش عالما مليئا بالأزمات الطبيعية، وسواها؟

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: سندوتش المدرسة.. صدقة وزكاة

عدد المشاهدات = 6762 لا ينكر إلا جاحد ان الشعب المصرى شعب أصيل، شعب جدع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.