الخميس , 28 مارس 2024

د.علا المفتي تكتب: أنا الأصل..!

= 3086

– مبروك .. ألف مبروك. إن شاء الله تشوفوه زيكم.
– تحب تطلع إيه لما تكبر زي بابا ولا زي ماما؟
– لازم يطلع دكتور زي باباه.
– إزاي تعمل كده؟! وأنا في سنك ماكنتش بعمل كده.
– وعلى رأي المثل إكفي القدرة على فمها تطلع البنت لأمها.

هل استمعتم من قبل لإحدى هذه العبارات، أو عبارات مشابهة أو لها نفس المعنى؟

هل صادفتم في مشوار حياتكم، من تعامل معكم بنفس منطق تلك العبارات السابقة، وحاول إقناعكم بصحتها وحتميتها؟

أغلب الظن أنكم ستجيبون بنعم. وهنا تكمن المشكلة. مشكلة التنميط، مشكلة محاولة خلق نسخ متكررة من أصل ناجح، أو نظنه كذلك.

إن القاعدة السائدة في مجتمعنا، هي التكرار اللعين للإنسان بنجاحاته، أو حتى بإخفاقاته. وإن هذا التكرار لن ينتج في الواقع، أي تطور أو نمو، سواء للفرد أو المجتمع. بل سنظل نعاني من نفس المشكلات الشخصية والاجتماعية. وذلك لأننا نصر على القولبة في الأفكار، وأسلوب الحياة عموما، ونخشى أن نتطرق لكل ما هو جديد. فإذا نجح نموذج ما في أحد المجالات، ملنا إلى تكراره طلبا للنجاح السهل، وخوفا من خوض تجارب جديدة قد تفشل، مع أن تلك التجارب الجديدة، هي مكمن التطور والنمو والتقدم.

إننا نجد الآباء والأمهات في مجتمعنا، حريصين كل الحرص، على أن يستنسخوا من أنفسهم، نسخا جديدة صغيرة هي الأبناء. فالأب يريد لابنه أن يكون مثله طبيبا، أو محاميا، أو مهندسا إلخ، كي يكمل مسيرته. والأم ترى في ابنتها امتدادا طبيعيا لها. وتحاول تشكيلها بكل صفاتها الشخصية، وتفضيلاتها وطريقة تفكيرها، في محاولة غير واعية، لطمس شخصية الابنة.

ومع الأسف، قد توارثنا فكرة التنميط والنسخ، جيلا بعد جيل، متجاهلين تماما، حقيقة كونية واضحة وراسخة منذ الأزل، وهي أننا خلقنا مختلفين، تمام الاختلاف، شكلا وفكرا وروحا. فقد قال الله تعالى في كتابه الحكيم “ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين” (هود: 118) لكننا نصر على الالتزام، بمبدأ الجاهلية “هذا ما وجدنا عليه أباءنا”.

ولنسأل أنفسنا، لماذا خلقنا الله مختلفين؟! ولماذا جعل سنته في خلق الكون والحياة، قائمة على الاختلاف لا على التطابق؟! ببساطة، يمكن الإجابة على هذا التساؤل في كلمتين، هما “الثراء” و “التكامل”. فكلما كان هناك اختلافا بين البشر، كانت الحياة أكثر ثراء وتنوعا وتطورا. وكلما كان هناك اختلافا بين الناس، كلما أحس الفرد بحاجته للآخرين، الذين يكملوا نواقصه، ويتكاملوا معه، وبذلك تحدث اللحمة، ويحدث الترابط بين أفراد المجتمع الواحد، مما يكسبه قوة واستمرارية.

إن أحد أهم الأسباب، التي تدفع المجتمعات نحو الرقي والتحضر والتقدم، هو احترام الاختلاف، أيا كان نوع هذا الاختلاف. ونبذ التقليد والتكرار. والبحث عن كل جديد مفيد.

وأظن أنه قد آن الأوان، لكي نعيد برمجة عقولنا، بأفكار أكثر إيجابية وتطورا. ونسمح لأبنائنا بأن يكونوا أنفسهم، لا مجرد أشباه لنا، أو نسخ متطابقة معنا. فإن كانوا يشبهوننا شكلا، فليكونوا مختلفين عنا في الطباع والأفكار، والتفضيلات والميول، والرغبات والأهداف. وعلينا ألا نحزن، عندما يقول لنا أحد أبنائنا: “أنا مش شبهك، أنا مش عاوز أكون زيك” فإنه بذلك يمارس حقه الطبيعي، في الاختلاف والتميز، الذي فطره الله عليه.

وفي هذا الصدد أذكر لكم تجربة شخصية، عندما واجهتني طفلتي غاضبة، بسؤال ذات يوم وقالت: “هما ليه الناس كل شوية يقولوا إني أنا شبهك؟!” فاندهشت لها السؤال، بل ولا أخفيكم سرا حزنت بعض الشيء، وتساءلت في نفسي: هل هناك ما يسوئني، كي لا تحب ابنتي أن تشبهني؟!”

وعندما واجهتها بهذا السؤال قالت: “أنتي حلوة يا ماما بس أنا مش عاوزة أكون شبه حد أنا عاوزة أكون شبه نفسي”. واستمعت إلى إجابتها بذهول، فقد ادركت بفطرتها النقية، أهمية وروعة، هبة التميز والاختلاف، التي منحها لنا الله. والتي نحاول بكل ما أوتينا من قوة، أن نطمسها ونمحيها، خوفا من إيجاد نماذج بشرية لا تشبهنا، لما نظنه خطأ من أن ذلك يمثل تهديدا لبقائنا ومصالحنا. ولم ندرك أن الله خلقنا، مزودين بالقدرة على التكامل، مع كل اختلاف يقابلنا، والتكيف مع كل جديد يواجهنا.

وعلينا الآن أن نرفع شعار “أنا أصل ولن أكون نسخة طبق الأصل”، فالأصول تبقى، أما النسخ فمصيرها الزوال.

—————-

* مدرس أدب وثقافة الطفل بكلية البنات-جامعة عين شمس

شاهد أيضاً

د. عائشة الجناحي تكتب: كلمات تأسر القلوب

عدد المشاهدات = 67 ما زلت أتذكر كلمات إحدى السيدات الإيجابية المرصعة بالرقي والتي ستبقى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.