الخميس , 28 مارس 2024

د.علا المفتي تكتب: صناعة الفريسة..!

= 1792

           —

“طائر الليل الحزين”، فيلم من إنتاج سبعينيات القرن العشرين، كتب قصته، التي تناقش قضية الفساد وتحقيق العدالة، الكاتب المبدع وحيد حامد. ويعد هذا الفيلم من أفلامي المفضلة. فحواره يحمل الكثير من المعاني، التي تستحق التأمل، والتي يمكن أن تكون مبادئ للحياة. ومن تلك الجمل، التي تحمل معنى فلسفيا ونفسيا جديرا بالاهتمام، ما جاء على لسان، أحد شخصيات قصة هذا الفيلم، والتي حملت اسم “طلعت مرجان”.

تلك الشخصية الفاسدة، صاحبة النفوذ والسلطة، والتي قام بأدائها التمثيلي، الفنان الرائع عادل أدهم. حيث جاء على لسان تلك الشخصية، في أحد مشاهد الفيلم محدثة نفسها: “الناس فاكرة إني دايما بنتصر عليهم .. أبدا!! .. دول هما اللي بيهزموا نفسهم .. الخوف اللي جواهم بيهزمهم”.

 ذكرتني هذه العبارة الأخيرة بتجربة طريفة، أجراها علماء النفس، لدراسة طبيعة العلاقة بين سلوك القط وسلوك الفأر. حيث تم وضع قطا جائع مع فأر، في قفص تم إحكام غلقه. وتمت مراقبة سلوك كل من القط والفأر، حيث لاحظ العلماء، أن القط يتفحص الفأر، ويقوم بحركات استفزازية له قبل أن يلتهمه. فقد كان القط يتنمر بالفأر داخل القفص، ويوجه له الضربات. بينما كان الفأر المسكين يرتعد ويصرخ، ويحاول الهرب دون فائدة. ثم بعد ذلك قام القط بالتهام الفأر في سهولة.

وهنا بدر سؤال أثار ذهن العلماء، الذين أجروا التجربة، هو: لماذا لم يلتهم القط الفأر مباشرة، بعد تواجدهما في القفص المغلق؟! ولماذا أخذ القط يرهب الفأر، قبل أن يفترسه، بالرغم من أنه لا سبيل لفرار الفأر؟!

ولكي يجيب العلماء على هذا التساؤل، كرروا التجربة مع تعديل بسيط، وهو إدخال متغير جديد بالتجربة، حيث تم إدخال نفس القط مع فأر آخر، تم حقنه بهرمون الذكورة، في قفص محكم الإغلاق. وبدأ المختبرون يتابعون سلوك كلا من القط والفأر. ولاحظ المختبرون من العلماء، أن القط يكرر نفس السلوك. حيث يحاول استفزاز فريسته الفأر، وإرهابه بشتى الطرق. لكن الفأر في هذه المرة، كان ثابتا شجاعا، لم يتأثر بالتخويف، ولم يحاول الهرب أو الصراخ، مما أربك القط، وبدأت تظهر عليه، علامات التوتر والخوف والقلق.

وانعكست الأدوار، فأصبح القط يصرخ فزعا، كلما اقترب منه ذلك الفار، الذي تم حقنه بهرمون الذكورة.

وقد فسر العلماء سلوك كل من القط والفأر، في التجربة الأولى والثانية، بأن القط لديه صورة ذهنية، عن شكل الفريسة وطباعها. وأنه كان يقوم باستفزاز الفأر، كي يتأكد من أن شروط الفريسة تنطبق عليه. فها هو ينزعج ويفزع لمجرد اقتراب القط منه. بل ويصرخ ويحاول الهرب. وعندما بدرت هذه التصرفات الدالة على الخوف من الفأر، تأكد القط أنه فريسه، فالتهمه في سهولة.

وعلى النقيض من ذلك، جاء سلوك الفأر في التجربة الثانية، حيث بدا الفأر شجاعا، ولم يتأثر باستفزازات القط أو بترهيبه، فاختلت الصورة الذهنية، التي يعرفها القط عن شكل وسلوك الفريسة، وأصابه الارتباك. فهو يرى شكل الفريسة المعتادة، لكنه أيضا يرى سلوكا مغايرا تماما، لسلوك الفريسة الذي يعرفه جيدا. وظن القط أن الفأر صيادا، وأنه هو الفريسة. فبدأ يسلك وفقا للصورة التي رأى نفسه عليها، ووفقا للصورة الجديدة التي كونها للفأر الشجاع. وكأنه يطبق المثل الشعبي المعروف، ” تيجي تصيده يصيدك”.

وبتأمل تلك التجربة، وتلك الجملة التي وردت في أحد مشاهد الفيلم سابق الذكر، وبتطبيقها على مواقف حياتنا اليومية باختلافها، سواء في المنزل أو العمل أو الشارع أو حتى في وسائل المواصلات، نجد أننا نحن البشر نلعب سويا “لعبة الخوف”. فهناك دائما صياد يحتاج فريسة. والصياد لا ينجح، إلا بإثاره الرعب والخوف في نفس فريسته.

ومن رأي نفسه فريسة فسيفترس.

فمهارة الصياد تكمن في، إقناع فريسته بأنها فريسة وضحية ويجب أن تفترس. أي أنه يستخدم الإيحاءات النفسية، والتهديدات المختلفة، كي يثبت في ذهن ضحيته، أنها فريسة. فتبدأ الضحية بأن تسلك سلوك الفريسة. لكن الفريسة يمكن أن تصبح صيادا بسهولة، لو فهمت قواعد اللعبة، واستعانت بقليل من الشجاعة والثبات.

خلاصة القول يا صديقي، أن الفريسة هي من تصنع نفسها، وليس المفترس. فعليك ألا ترى نفسك، من الآن فصاعدا في صورة الفريسة. وإياك أن توافق على لعب دور الضحية، في مسرحية حياتك. واحذر من الوقوع في براثن “لعبة الخوف”.

—–

 * مدرس أدب وثقافة الطفل بكلية البنات – جامعة عين شمس   

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: سندوتش المدرسة.. صدقة وزكاة

عدد المشاهدات = 6326 لا ينكر إلا جاحد ان الشعب المصرى شعب أصيل، شعب جدع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.