الثلاثاء , 16 أبريل 2024

عبدالرزّاق الربيعي يكتب: الأفغانيّاتُ يملأنَ جرارَهُن شعرًا

= 1951

—-

لعل أبرز ما يلفت النظر في كتاب” اللانداي ـ من شعر المرأة الأفغانية في الحبّ والحربّ”، الصادر عن دار أزمنة للنشر الأردنيّة، الذي ترجمه عن الإنجليزية الصديق الشّاعر عبد الله أبو شميس، ود. حنان الجابري، تعريفنا بشعر (اللانداي) الأفغاني ذي الصياغة الشعرية المكثّفة الموجزة القريبة من شعر (الهايكو) الياباني، والرباعيّات، وقصيدة ( الومضة)، أو القصيدة القصيرة، وهو من شعر النساء اللواتي يتغنين به عندما يذهبن لجلب الماء من الينبوع ، فيملأن جرارهن مع الماء شعرا، وغناء، ويصاحبه أحيانا رقص في الاحتفالات، والأعراس، ارتجالا، فيُنسى بعضها، ويبقى البعض محفورًا في الذاكرة الجمعيّة، حسب قوّة تأثيرها، وتتنوّع موضوعاتها التي غالبا ما تتحدّث عن الحبيب الغائب:

“ها هو الديك
يطلق لعنته ويصيح
فيغادرني عاشقي
مثل طير جريح”

ولأنّ المجتمع الأفغاني محافظ كأيّ مجتمع شرقي، وإسلامي، فإن المرأة الأفغانيّة لا تجد غير القصيدة تخبئ به أسرارها، ومكنونات ذاتها:

“بسرّي أذوي
في الخفاء أنوح
أنا امرأة (البشتون)
كيف أبوح؟”

لكنّها لا تستسلم لهذه الأوضاع، فتقف بصلابة لتعبّر عن مشاعرها متسلّحة بروح التحدّي:

“أحبُّ!
أحبُّ ولا أخفي غرامي وآهاتي
ولو نزعت سكينكم كلّ شاماتي”
وفي مقطوعة أخرى ترتفع نبرة التحدي، لتفصح عن قوّتها، فتقول:
“قمري! هاتِ يدا يا قمري
فلقد نوّر حقل الزهرِ
نرشف الحبّ كما شئنا معا
أو معا نهوي بطعن الخنجرِ”

وهذا ما أثبتته بعد غزو افغانستان من قبل الجيش الأحمر في ديسمبر 1079، فخرجت في مسيرة تصدّت لها الدبابات الروسية، كما يذكر المؤلّف، ووقفت “ناهد ” إحدى منظمات المسيرة لتطلق صرخة في وجه الضابط الذي صوب بندقيته نحوها قائلة له” أيها الجبان ما دمت عاجزا عن حماية شرفك فأنت لست رجلا”، فأطلق عليها النار، وسقطت قتيلة لكنها أصبحت رمزا للنساء الأفغانيات المقاومات:

“بأعلى صوتها الصافي

بأعلى صوتها (ناهد):

نهوضا يا أخياتي
تراب الأرض يطلبنا
فهل يبقى بنا قاعد؟”

وبكلّ ثقة تقول عن حبيبها الذي يأتي إليها من مكان بعيد طلبا لوصالها :

“صنعتُ سريره من ناهديّا
حبيبي المرهق الخطواتِ ها قد
أتى من آخر الدنيا إليّا”

ويضمّ الكتاب مختارات من هذا النوع من الشعر( اللانداي)، لشاعرات مجهولات، فلم يحمل أي نص توقيع شاعرته!!، وهو نوع من المقطوعات الشعريّة القصيرة المنظومة باللغة البشتونيّة في أفغانستان، و(اللانداي) يعني حرفيّا الشِعر القصير كونه “يتألف من سطرين، شعريين ولا يتبع قافية إلزامية ” كما ورد في مقدمة الشاعر الإفغاني بهاء الدين مجروح الذي قام بجمع المقطوعات، التي تدور حول الحبّ، والحرب. موزونة، ومن هذا نعرف أنّها نوع من “الارتجاليات الشعبية”، وهي أقرب ما تكون إلى (الدارمي) في اللهجة العامية العراقية، وربما هو من شعر العامية المتداول شفاهيا، حال (الدارمي)، وكل هذه الأنواع من الكتابة الشعرية تقوم على الشحّ في الألفاظ بمقابلة غزارة في المعاني:

“يا ديك أخّر صيحة الفجرِ
للتوّ قد آوى إلى صدري”

وتتحدث تلك المقطوعات عن معاناة المرأة في الشرق الإسلامي والعربي، ونقدا للمجتمع الذكوريّ، يقول المؤلف” في مجتمع البشتون بتركيبته القبلية والعاشائرية فإن وضع النساء صعب..ففي مثل هذه البيئات المتحيّزة للذكور، والورعة، والمتعصّبة بطريقتها الخاصة تعاني المرأة من اضطهاد مزدوج جسدي ومعنوي” لذا تبث لواعجها في الشعر:

“كان عندي أساور
قد زانت المعصمين
ولكن من الآن
سوف ألاقي حبيبي
بذراعين عاطلتين”

وتحذّر عشيقها من إظهار حبّه لها أمام الناس :

“لا تُهدني وردا
بمنتصف الطريقِ
فسيقتلونك، ذات يوم يا عشيقي”

وإلى جانب موضوعتي الحبّ والحرب اللتين ارتكزت عليهما المختارات نجد في الكتاب شعرا وطنيا، ونماذج تطرّقت لمرارة العيش بأرض الغربة، والحنين لـ(كابل):

“الدموع على وجنتي تتدحرج
كيف أنسى ذرى (كابل)
حين يكلِّلُها الثلج”

وكذلك تعكس معاناتها خارج أفغانستان، ليصبح فنّا شعريّا لصيقا بالإنسان، وهمومه :

“العيش بأرض الغربة
حطّم قلبي
يا ربّ أعدني
لجبالي الشامخة
أعدني، يا ربّي”

ولم يقف شعر (اللانداي) بمعزل عن العصر، وتحولاته، ولعل من الطريف أنّ المترجمين (عبدالله، وحنان) يشيران في نهاية مقدمتهما أن المرأة الأفغانية تفاعلت مع التكنولوجيا الحديثة، و التغيرات التي حصلت في أفغانستان بعد سيطرة طالبان، ومن ثمّ الأمريكان، ومن النماذج التي يوردها :

“في أمريكا
كلّ الأنهار جفاف
يا بنت
والفتيات تعلّمن بأن يملأن الجرّات
من الإنترنيت”

وهذا تأكيد على حيويّة (اللانداي)، وعدم جموده على موضوعات محدّدة، ومواكبته التحوّلات بما يضمن بقاءه.

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: صلاة الرجال مع النساء.. باطلة!

عدد المشاهدات = 848 نشر فضيلة الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب على صفحته الرسمية على …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.