السبت , 20 أبريل 2024

د. علا المفتي تكتب: لا تترك فنجان قهوتك يبرد!

= 1654

—–

فنجان قهوتي الصباحية، طقس من طقوس يومي المقدسة. فهو متعتي الصغيرة، التي قد تكون سببا في اعتدال مزاجي، أو اعتلاله طوال اليوم. فكثيرا ما كنت أتفنن في صنعه، لكني أضيع لذته، إذا نسيته لفترة حتى يفقد حرارته ويبرد، فيصبح شكلا بلا طعم. فالقهوة تفقد هويتها بالبرود، تماما مثل أرواحنا تفقد بهجتها، واتقادها ووهجها، إن نحن أهملناها.
ويقاس على هذا المبدأ، أمور كثيرة في الحياة. فكم من الفرص الضائعة، التي مرت علينا دون أن نقتنصها. إما لأننا لم نلحظ مرورها، أو لأننا استسلمنا للخوف من اقتناصها، لإحساسنا بالعجز وقلة الحيلة، وعدم القدرة في الحصول عليها، ففضلنا تركها، وعدم بذل الجهد في محاولة نوالها. أو لأننا ترددنا، في اتخاذ القرار المناسب، في اللحظة المناسبة.
وبعد أن تمر تلك الفرصة، وتشيح بوجهها عنا مودعة، تنتابنا مشاعر الندم، وخاصة إذا وجدنا غيرنا ممن يحسنون اقتناص الفرص، قد نالها واستفاد منها.
إنه حقا مأزق سخيف، لكن هل يوجد حل له؟ بالطبع هناك حلا، فليس في هذه الحياة مشكلة بلا حل. ولكي نجد حلا، لمشكلة ضياع الفرص هذه، التي عادة ما تصيبنا، بالإحباط واليأس والشعور بالفشل، عند حدوثها، علينا أن نتبع عدة خطوات:
* أولا: حدد سبب ضياع الفرصة منك واعمل على علاجه:
فإن كانت الفرصة قد ضاعت منك، لأنك لم تلاحظها، فعليك إذن أن تقوي قدرتك على الملاحظة، والتركيز. ويمكنك تحقيق ذلك، من خلال ممارسة بعض تدريبات التأمل اليومية، فيما حولك من أشياء صغيرة، لتدرك العلاقات بين الأشياء، وتربط الأسباب بالنتائج. لأن ذلك سيفيدك جدا، في تقوية قدراتك العقلية، وخاصة الملاحظة والتركيز.
أما إذا كان سبب ضياع الفرصة، هو الخوف من الفشل، ومن اقتحام الجديد، فعليك أن تكون شجاعا أولا، وتعترف بهذا الخوف، ثم تحاول مواجهته بعدة مبادئ منها:
– من يخش أن يرتكب الأخطاء، فلن يحقق أي نجاح. فاخطأ كي تتعلم.
– الفشل أول خطوة في سلم النجاح. فعليك بالمثابرة، وتكرار المحاولات.
– من يخاف صعود الجبال، يعش أبد الدهر بين الحفر. ولكن يفوز باللذة كل مغامر. فكن مغامرا.
– الكهف الذي تخشى دخوله، يحوي الكنز الذي تبحث عنه. فكن مقداما مكتشفا.
– لا تلق بالا لكلام الآخرين المحبط، من سارقي الطاقة وأعداء النجاح. فكن متجاهلا.
وإذا كان سبب ضياع الفرصة، هو إحساسك بأنك محدود القدرات والإمكانات. فثق بنفسك واعلم أن الله، وهب كل منا قدرات شتى. وجعل فينا كنوز مكنونة. وهيء لنا السبل، كي نكتشف تلك الكنوز والقدرات، ونستفيد منها. فتبعا لنظرية الذكاءات المتعددة، للعالم “جاردنر” فكلنا أذكياء، ونملك قدرات خاصة، لكن كل منا ذكي في منطقة أو مجال ما. فهناك من لديه ذكاء منطقي، وهناك من لديه ذكاء حركي، أو أدبي أو موسيقي أو عاطفي إلخ. فعليك اكتشاف كنوزك المدفونة تلك، بعدة طرق منها:
– لاحظ ذاتك، وحدد نقاط قوتك ومميزاتك. ثم دونها في ورقة، واكتب كيف يمكنك الاستفادة منها، بشكل عملي.
– ابحث عما تحبه، وتشعر بشغف نحوه من أشياء، وأعمال وهوايات. فإن هذه الأشياء، هي المجالات التي تناسب وتوائم قدراتك. والتي ستنجح فيها غالبا، وستكون فرصك فيها أفضل من غيرها.
– تعرف على ذاتك. وإليك نظرية نوافذ الذات، التي وضعها العالمين “جو وهاري”، والتي تتلخص في أن لكل منا أربعة مناطق للذات. منطقة تعرفها عن نفسك، ويعرفها الآخرون عنك. وهي منطقة لا تحتاج لجهد منك كي تكتشفها. ومنطقة تعرفها عن نفسك، ولا يعرفها الآخرون عنك. فحاول الإعلان عنها. ومنطقة يعرفها الآخرون عنك، ولا تعرفها عن نفسك. فحاول أن تقرأ مميزاتك في عيون الأخرين. ومنطقة عمياء، لا تعرفها ولا يعرفها الآخرون عنك. ويمكن اكتشافها من خلال الأخصائيين، والأطباء النفسيين، لتصحح مسار حياتك.
وقد يكون من أسباب ضياع فرصك، ترددك في اقتناصها، وعدم اتخاذ القرار السليم في وقته المناسب. وعلاج هذا يحتاج منك الآتي:
– قيم الفرصة المتاحة أمامك، بأن تكتب مميزات وعيوب الحصول عليها. فإن كانت المميزات أكثر من العيوب، فاقدم عليها ولا تهب.
– لا تفكر كثيرا، وتطيل التفكير. وإذا عزمت فتوكل على الله. ولا تدع لشياطين الإنس والجن، فرصة لتثبيط عزائمك.
– فكر في الفرصة ولا تفكر في العقبات، التي ستحول دون تحقيقها. فهذا سيمنعك من الإقدام، على أي فرصة.
– إن كنت تشعر بالحيرة، في اتخاذ القرار، فاستعن بذوي الرأي والحكمة، واستشيرهم، لكن اعلم أن آراءهم غير ملزمة لك، وأنك أقدر شخص على تقييم أمورك.
– وأولا وأخيرا،، استعن بالله وادعوه كي يلهمك الاختيار الصائب.

ثانيا: عند ضياع الفرصة وبعد تحديد أسبابها قم بالتالي: *
– افرح وتفاءل، وكن مثابرا. فإن الفرص لا تنتهي، وستأتيك فرصتك المناسبة، في الوقت المناسب، فكنوز الله لا تنفذ أبدا.
– تعلم من الفرص الضائعة. لأنها رسائل من الله لك، كي تنضج وتصبح شخصيتك أفضل.
– اعلم أنه، لو كان هناك خير لك، في الفرصة الضائعة، لما ضاعت. ولكن الخير في ضياعها، فأمر المؤمن كله خير.
– كن ممتنا لكل فرصة تأتي، ثم تذهب. فهي تعطيك الأمل، وتعلمك الصبر.

وفي النهاية علي أن ابتسم لك، وأهمس في أذنك: اجعل مبدأك في الحياة “لا تترك فنجان قهوتك يبرد”.

—————-
* مدرس أدب وثقافة الطفل بكلية البنات جامعة عين شمس.

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: صلاة الرجال مع النساء.. باطلة!

عدد المشاهدات = 4178 نشر فضيلة الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب على صفحته الرسمية على …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.