الخميس , 18 أبريل 2024

عبدالرزّاق الربيعي يكتب: عندما يصبح المثقّفُ واجهةً

= 1851

—–

اعتدنا أن نرى في الشوارع الرئيسة في المدن الكبرى صورا لمشاهير في الغناء، والسينما، والتلفزيون، وحتى في المسرح، تلك الصور غالبا ما توضع للترويج لحفلات غنائيّة، أوموسيقيّة، أومهرجانات، أو لتروّج لمنتوج تجاري، أو للإعلان عن مناسبة فنّيّة، وربما يبثّ بعضها رسائل توعويّة، كما جرى مع صورة الفنان صالح زعل، الكابتن علي الحبسي، وفخرية خميس، وخالد الزدجالي، وسعود الدرمكي، ونجوم آخرين عندما وضعت صورهم في شوارع مسقط، وتقاطع طرقاتها، بمناسبات مختلفة مع إرشادات، ورسائل من بينها التنبيه إلى ربط حزام الأمان، وهي بادرة تستحقّ التقدير، وتحسب للفنانين، لما نعرفه من أهميّة مشاركة الشخصيّات العامّة في توجيه رسائل توعويّة للأفراد، والمجتمع، وكونها شخصيّات مؤثّرة، بأسلوب جاذب، يمكن له أن يؤثّر بسرعة أكبر من الكلام المجرّد، وكذلك تعزّز من قيمة الفنان، ومشاركته في الحياة العامة.

وفي الأسبوع الماضي، عندما كنت في الطريق إلى مقر إقامة ضيوف “منتدى الفجيرة الثقافي”، قادما من مطار دبي، لاحظت عددا من اللوحات الإعلانية التي تحمل صور فنّانين مشاهير، كما اعتدنا في أماكن كثيرة، ولكن فجأة لفتت أنظاري صورة لم نعتد على رؤيتها، فقد كانت لأديب هو الكاتب الجزائري واسيني الأعرج، وقد وُضِعت على واحدة من اللوحات بمكان بارز مع عبارة تشير إلى موعد ومكان إقامة “منتدى الفجيرة الثقافي”، وبعد عدّة أمتار طالعتني صورة ثانية للأعرج، وثالثة، ورابعة، وقد فوجيء الكاتب واسيني الأعرج، فرغم تجربته الطويلة مع الكتابة التي تكللت بجوائز عديدة لم يحدث أن رأى صورة له في شارع من الشوارع!!

ثم لمحت صورا للشاعرين كريم العراقي، وأخرى للشاعر علي الخوار، وقد يبدو الأمر ليس معتادا بالنسبة لي، ولسواي، فأن تشاهد صورة لأديب، أو شاعر على لوحة إعلانية لتنبيه الناس لفعالية ثقافية، فهذا أمر يعطي زخما لحضور المثقف في المجتمع، ويجعل صورته واجهة، فالأمم تتباهى بمثقفيها، وأدبائها، والمثقف يمكن أن يكون نجما، وعنصرا من عناصر الاستثمار الثقافي، وقد أشرت لهذا في جلسة الافتتاح التي حملت عنوان (مستمدات المثقف في صناعة الثقافة)، فـ”الهيمنة الثقافية” أقوى بنظر الفيلسوف الإيطالي غرامشي ” من الاقتصادية، لأن “المثقف العضوي” لا ينفصل عن المجتمع، وحركته كونه صاحب مشروع حضاري.

ولكنّ الأديب العربي، غالبا ما يعاني من الاهمال، والتهميش، مع وجود استثناءات قليلة، ينسجم خطابها مع الخطاب الايديولوجي السائد، بينما نجد أن الأديب في الغرب قد أخذ وضعه الطبيعي في المجتمع منذ عقود عديدة، فالكاتب الروسي مكسيم غوركي، (المولود في 1868 والمتوفى1936)، أصدر في مقتبل شبابه مجموعة قصصية هي كتابه الأول، وسرعان ما اشتهر اسمه وصار نجما في الأوساط الثقافية، والعامة، رغم أنه لم يكن يبلغ العشرين من العمر، حتى أن صوره كانت تطبع على القمصان، والأكواب، كما قرأت في مقال عن سيرته، وهذا من شأنه أن يدفع الأديب إلى الأمام، خصوصا أنّ الشاعرالعربي كان يحتلّ في المجتمع مكانة رفيعة، كما تشير كتب التراث، وكانت تنحر الذبائح ، وتقام الولائم عند ظهور شاعر في أمة يمثل الشعر فيها “ديوان العرب” لأنه لسانها الناطق باسمها، والمدافع عنها.

ومن الطبيعي أن ينعكس هذا الوضع سلبا على المثقف فيبتعد عن المجتمع وقضاياه، ويصبح معزولا عن الحراك المجتمعي، فيتراجع تأثيره في المجتمع، ولو قامت المؤسسات بجعله واجهة، فيمكن لهذا أن يعزّز موقعه في المجتمع، كما نرى في بعض الدول المتقدمة عندما تسمّي شوارعها بأسماء مبدعيها، وتطلق أسماءهم على القاعات الثقافية، وتنشيء جوائز باسمهم، تخليدا لهم، وتعزيزا لمكانة المثقّف في المجتمع، فالثقافة تبقى العنصر الأبرز من عنصر التطور الحضاري، والمثقف هو صانع المنتج الثقافي، والمحرك لكل نهضة، وحين تعطي المجتمعات للمثقّف قيمته الحقيقية، فإنه من الطبيعي أن يقابل الإحسان بالإحسان، فيعطيها عصارة فكره، ويندمج مع حركته أكثر، ويصبح مؤثرا، وفاعلا، هذا التأثير يعود بالنفع العام على المجتمع، فعندما نجعل المثقف واجهة، فإننا نساهم في رفع مستوى الوعي، وتخيلوا الأثر الإيجابي الذي سيكون في نفوس النشء الجديد عندما يرون صورا لشعراء، وأدباء عمانيّين معلّقة في شوارع مسقط !

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: صلاة الرجال مع النساء.. باطلة!

عدد المشاهدات = 2607 نشر فضيلة الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب على صفحته الرسمية على …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.