الأربعاء , 24 أبريل 2024

عبدالرزّاق الربيعي يكتب: قمحٌ، وريحٌ، وأرغفةٌ شعريّة

= 1520

——

رغم أّنّ الشاعرة شميسة النعمانيّة مقلّة في النشر، فلم تصدر حتّى أواخر 2017م سوى مجموعة شعريّة واحدة عام 2014م حملت عنوان ( ما تبقّى من اللون)، لكنّ اسمها له حضوره في التجربة الشعريّة النسويّة العمانيّة الجديدة، وقد أكّدتْ شميسة التي لفت نصٌ لها أنظاري عام 2009 شاركتْ به في الملتقى الأدبي الذي أقيم في البريمي، ونالت عنه جائزة المركز الأوّل، هذا الحضور، من خلال مشاركاتها في المهرجانات، والملتقيات الخليجيّة، والعربيّة، وربّما أملى عليها وقوفها الواثق على المنصّة، وتمكّنها من الإلقاء الشعري أن تتّجه إلى قراءة الشعر، غير عابئة بالنشر، أكرّر:ربّما، ومع ذلك عادت إلى ساحة النشر هذا العام (2018) م لتصدر مجموعتها الشعريّة الثانية (سأزرع في الريح قمحي) عن دار (مسعى) ضمن إصدارات الجمعيّة العمانيّة للكتاب، والأدباء، وضمّت عشرين نصّا معظمها، من شعر التفعيلة.

وقارئ شعر شميسة يلاحظ شغفها بموسيقى الشعر، وتأكيدها على تقنيّة التكرار، ففي نصّها (أنا لا أحد) تكرّر الضمير المنفصل (أنا) (17) مرّة:

أنا لا أَحَدْ..

أنا يأسُ آمالٍ لها جَزْرٌ ومَدّْ..

أنا صوتُ ريحٍ أَرْهَقَتْ عَزْمَ الوَتَدْ

أنا بعضُ إنْسانٍ تَشَظّى قَبْلَ أنْ يَرِثَ الجَسَدْ

أنا لا أحدْ!

أنا دمعةُ الحُزنِ التي شاخَتْ على وَجْهِ الحياةِ

تجولُ من خَدٍّ لِخَدْ”

و في نصّها (لست ظلّا) تكرّر الضمير نفسه (أنا) ومرادفه (إنّي) (9 مرّات)، وفي (لأنّك أنثى)، تكرّر التركيب الذي جعلته عنوانا للنص (6 مرّات)، في تأكيد لحضور الذات بدءا من عنوان المجموعة (سأزرع في الريح قمحي)، وفي (حارس الشرفات) يتكرّر تركيب (سلام عليك) (11 مرّة) إلى جانب مفردة (سلام) التي تكرّرت خمس مرّات:

“سلامٌ عليكْ

سلامٌ على بَسْمةٍ مِنْكَ مالَتْ على نَبْتَةٍ فارتوتْ..

سلامٌ على نَبْضَةٍ في حروفكَ هَلّتْ على امرأةٍ فانثنتْ..

سلامٌ عليكَ”

هذا الهيام بالموسيقى، وهي وسادة مريحة، لكلا طرفي المعادلة : الشاعر، يضع عليها رأسه، والمتلقّي، أذنه التي تطرب لذلك، جعل الشاعرة تميل إلى قراءة الشعر أمام الجمهور على عمليّة نشره، وربّما تقوم خلال عمليّة الكتابة بتخيّل نفسها تقف على منصّة بمواجهة الجمهور، لذا يأتي كأس النصّ مترعا بعسل الموسيقى، ولكنّه ضيّق على قاموسها الشعريّ، وهذا الأمر يجب أن تراعيه في تجاربها القادمة، وإذا توغّلنا في المحتوى نرى أنّ الشاعرة التي تهدي مجموعتها “إلى المفتونين بالحياة، إلى اللا مُكترثينَ بالموت، إلى الأرواحِ / الجَنَّة، والأرواح / اليَباب”، قد أفردت مساحة واسعة لهموم الأنثى بأحلامها البيض الموءودة كما في (لأنّك أنثى)، (الخائنة)، (سأحبّ نفسي)، (نستحي أن نبوح)، (أحبّك)، (لست ظلّا)، (قفا نبك)، (ترميم قلب)، وتفرد مساحة للحزن، والأسئلة التي تتّصل بعذابات الأنثى :

” أَوَ كُلَّما رمَّمْتُ هذا القلبَ يندثرُ الطريقُ؟

أو آنَسَتْ عينايَ حُلْمًا كانَ خَلْفَ الضوءِ مِجْدافٌ غريقُ؟

أو كُلَّما عبَّأَتُ روحي بالخُزامى

سوف يَنْفَخُ في ذؤابَتِها شَرارٌ أو حَريقُ؟

يَتَلَفّتُ الحُزْنُ الذي في ريفِ قلبي وحدَهُ،

حتى إذا اتَّسَعَتْ مِساحاتٌ يَضِيقُ ..”

و(سأقول لي) التي أضفت بها إلى جانب شغفها بالموسيقى جمال الصورة الفنية، وجزالة الألفاظ، وقوّة السبك:

“سأقولُ لي كُوني تأمُّلَ عارفٍ

تتعثرُ الأيامُ في عُكَّازِهِ ويَظَلُّ يَمشي..

مَمْدودةٌ عيناهُ للخيطِ المُضيءِ على حوافِّ البَدْرِ

مُبْتهِجًا، ويهمسُ: “من هناكَ أضأتُ نقشي”

وفي (اليمامة والبدوي)،أطول نصوص المجموعة، نجد عناصر رمزيّة، وسرديّة، ودراميّة، أثرته، وعمّقته، ونوّعت في أدائها الشعري، الذي تهيمن عليه الغنائيّة، فحين تخاطب اليمامة التي ترى فيها معادلا للأنثى، أو الذات، على طريقة أبي فراس الحمداني، في مناجاته للحمامة، تقول:

“تَعالَي بقربي

لأَنْفُضَ عن رئتيكِ غُبارَ القلقْ

وأمسحُ عن قلبكِ الغَضِّ حُزْنَ الأماني التي قتلوها

أُزَيِّن أحلامَكِ الخُضْرَ باليَاسَمينَ ونَكْسِرُ صَمْتَ الشَفَقْ “

وتفرد مساحة للوطن في نصوصها (موجوعون يا بلدي)، و(وطني دثاري) و(عمان وجه نبي) التي جاءت مكتوبة وفق النظام البيتي الكلاسيكي بلغة طازجة:

“هناكَ في الجَمْرةِ الأولى على دَهَشٍ

بِلَّوْرَةُ الكَونِ شَفَّتْ واَنْتشى الفَلَقُ

حَطَّ المَلاكُ ببابِ الشرقِ يُعْلِنُها

“عمانُ وَجْهُ نَبِيٍّ بيتُهُ الحَدَقُ”

تصحو لديْها بناتُ الشمسِ، يَتْبَعُها

ظِلُّ الدَّلالِ، ولونُ القمحِ يَنْبَثِقُ”

المجموعة، بشكل عام، تجربة لشاعرة تعدّ بالكثير من القمح الذي سيتحوّل إلى أرغفة ساخنة تطعم الجائعين بلذيذ القول الشعري.

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: فجوة بين الشباب ورجال الدين

عدد المشاهدات = 2094 منذ فترة طويلة وانا اشعر بوجود فجوة عميقة فى العلاقة بين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.