الخميس , 18 أبريل 2024

عبد الرزّاق الربيعي يكتب: نزهةٌ في عقول الناس!

= 1477

—–

إذا كان النقّاد العرب القدامى قد وصفوا أبا الطيّب المتنبي” ماليء الدنيا، وشاغل الناس”، عندما رأوا أنّ الناس تتعقّب شوارد أبياته، وتختصم حولها، فإن أخبار الكتب، وشؤونها، ملأت (مسقط) ،خلال الأيام العشرة الماضية، وشغلت ناسها، وأعني أيّام معرض مسقط الدولي للكتاب، فالكثيرون، من مختلف الأعمار، وضعوا في برامجهم خطّة لزيارته، والتعرّف على محتوياته، والبعض حدّد العناوين التي يبغي شراءها، والدور التي عرضتها، والبعض الآخر زار المعرض ليتعرّف على جديد المطابع، أو جاء يبحث عن كتاب صدر من سنوات، طامحا بالحصول على طبعة جديدة يحتفظ بها في مكتبته، ويعدّه مرجعا، انسجاما مع مقولة روبرتسون دافيس ” الكتاب الجيد يُقرأ مرّة في سن الشباب، ومرّة في سن النضج، ومرّة أخرى في الشيخوخة” ويشبهه بـ”البناء الجميل الذي يشاهد فجرا، وظهرا، وتحت ضوء القمر”.

وهناك من زار المعرض لحضور الأنشطة الثقافيّة المصاحبة، من ندوات، وأماس شعريّة، ومحاضرات، وعروض مسرحيّة، للصغار، والكبار، وحلقات عمل في الرسم، والكتابة، وحفلات توقيع كتب، وفعاليّات أخرى، يعلن عن إقامتها بين حين وآخر، ويوما بعد يوم ، تزداد الحركة، ويغصّ المعرض بالزوار الذين قدم بعضهم من خارج السلطنة لحضور هذا العرس الثقافي، والتظاهرة السنويّة التي تعدّ الأكبر في السلطنة، فكان الكتاب هو الشغل الشاغل للعمانيين، والمقيمين على أرض السلطنة، طوال تلك الأيّام، وبلغت الزحمة ذروتها في أيامه الأخيرة بالشوارع المحيطة بموقع المعرض، وهذه حالة تدعو للفخر.

فالإقبال على المعرض يعني إقبالا على المعرفة، فالكتاب هو أساس المعرفة الإنسانيّة، ومصدرها الأوّل، وقديما سئل الفيلسوف اليوناني أرسطو: كيف تحكم على إنسان؟ فأجاب: أسأله كم كتابا قرأ، وماذا قرأ؟، وقيل للمأمون : ما ألذّ الأشياء؟ أجاب التنزّه في عقول الناس” ويعني قراءة الكتب، التي هي نزهة عقلية، وسياحة في عوالم شتّى، وفي ذلك متعة، فقد قيل لبعضهم : أما تستوحش؟ فقال : “وهل يستوحش من معه الأنس كله؟ قيل: وماالأنس كله؟ أجاب: الكتاب”، وقد قال الشعراء الكثير في الكتاب ، ومن بينهم أحمد شوقي، ومن ذلك قوله :

أنا من بدّل بالكتب الصحابا
لم أجد لي وافيا الا الكتابا
كلّما أخلقته جدّدني
وكساني من حلى الفضل ثيابا

والقراءة هي السبيل للدخول إلى عوالم الكتب، فهي وحدها قادرة على أن “تعطي الإنسان أكثر من حياة”، كما يرى عباس محمود العقاد، لأنها تزيدها عمقا، وقد جعل التطوّر التكنولوجي الحصول على الكتاب متاحا للجميع بأيسر الطرق، فالمواقع الالكترونيّة مليئة بآلاف الكتب التي يمكن تنزيلها، وتصفّحها بضغطة زر بما يغني عن مكتبة كاملة!.

وحين أرى هذه الخدمات اليوم أتذكّر معاناتنا في السبعينيات، والثمانينيات للحصول على كتاب نودّ قراءته، أما اليوم ، فقد اختفت تلك المعاناة، وصار من المتاح شراء الكتاب المفضّل عبر مواقع خاصة تعرض كتبا للبيع، وحين تحّد الكتاب، طلبه بعد دفع ثمن شرائه الكترونيا، فيأتيك بعد أيام على العنوان الذي بعثته، هذه الخدمات سهّلت عملية الحصول على الكتاب: ورقيّا، واليكترونيا، وجعلت القراءة متاحة للجميع، وبكلّ اللغات حسب رغبة القاريء، وتوجّهاته، وهذا لم يقلّل من اقبال الناس على معارض الكتب، التي تجاوزت أن تكون سوقا للكتب، لتصبح حالة ثقافية، تتم خلالها تداول قضايا صناعة الكتاب، ونشره، وتتم اتفاقيات، وتوقيع عقود بين الناشرين، والمؤلفين، وتتيح اللقاءات بين الكتاب، والباحثين، والشعراء لولادة العديد من الأفكار التي تخرج على شكل كتب في المعارض القادمة.

في كل ذلك تنشيط للحراك الثقافي، وهذا الحراك له آثاره التي ستظهر لاحقا على أفراد المجتمع، وتسهم في عمليّة البناء الحضاري، وكلّ ذلك يعود إلى الكتاب، والكلمة التي كانت في البدء.

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: صلاة الرجال مع النساء.. باطلة!

عدد المشاهدات = 3366 نشر فضيلة الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب على صفحته الرسمية على …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.