الجمعة , 19 أبريل 2024

عبد الرزّاق الربيعي يكتب: الفلجُ..باعتبارِهِ كائنًا حيًّا…!

= 1272

——-

“الفلج مظلوم”، كلمتان، أنهى بهما د. عبد الله بن سيف الغافري محاضرته القيّمة التي قدّمها في النادي الثقافي، مؤخرا، وقد أحسست أنّه نطق بالكلمتين، وقلبه تعصره المرارة!، والذي قصده (أبو الأفلاج)، كما يكنّى، بالظلم، هو أنّ الفلج رغم كلّ ما يشكّله من قيمة ثقافيةّ، وتاريخيّة، وما قدّمه للإنسان العماني كونه مصدر حياة، “وجعلنا من الماء كل شيء حي” (سورة الأنبياء)، .بل هو كائن حي،كما وصف، لكنّه لم ينل نصيبه من الرعاية رغم أنّ عدد أفلاج عمان يتجاوز 3017 فلجا من 4112 فلجا !!، كما تشير الإحصاءات، أدرج خمسة منها في قائمة التراث العالمي هي ( دارس، الخطمين، الملكي، الميسر، الجيلة).

ورغم كلّ ما تبذله الحكومة من جهود، يظلّ الفلج يستحق اهتماما أكبر، كتخصيص يوم للاحتفاء بيوم الفلج، مثلما فعلت الأمم المتّحدة عندما خصّصت يوم الثاني والعشرين من مارس من كلّ عام للاحتفال بيوم المياه العالمي بهدف “رفع مستوى الوعي المجتمعي بالأمور المتَّصلة بالمياه العذبة، والتذكير بأهميَّة الماء ودوره في حياة الكائنات، واستقرار حياة البشر”،لاسيما، أنّ الحاجة للماء تزداد، بفعل الزيادة الحاصلة في السكان، وحاجة المصانع، والمزروعات لكميات كبيرة من الماء في عالم تشكّل به المياه العذبة نسبة 3% من مياه المحيطات المالحة، كما تشير التقارير الدولية!!، لذا من المرجّح أن تكون الحروب القادمة في العالم حول مصادر المياه!

أما في عمان التي حباها الله هذه النعمة، نعمة الأفلاج، يتوجّب زيادة الاهتمام بها ، لمواجهة مشكلة نقصان المياه، من خلال الاستفادة من الفلج كمصدر من مصادر المياه، خصوصا أن الفلج، في عمان، يتجاوز كونه مصدرا من مصادر المياه، بل هو نظام حياة، وتاريخ، كما قال، بل أن تأثيره امتدّ ليظهر في الكتب، والموسوعات الفقهيّة التي تحدثت عن (فقه المياه) ومنها كتاب ( بيان الشرع) للعلامة محمد الكندي المكتوب قبل 700سنة، وخصّص جزئين، وفيهما معلومات فقهيّة عن حماية مصادر المياه، والفلج، كما قال الغافري الذي يشغل مدير وحدة بحوث الأفلاج علوم الحياة، والكيميــاء بجامعة نزوى، هو وسيلة إعلامية، ومصدر للطاقة، يستخدم في إدارة مطاحن الحبوب، وتكييف المنازل والكساء، وكنّا نظن أن الأفلاج توجد فقط في عمان، لكن اتّضح أنها توجد في مناطق عديدة من العالم منها: اليمن، والإحساء، والكويت، والبحرين، وايران، والعراق، وفلسطين، والمغرب وحتى في آسيا الوسطى، والصين ، والكوريتين، واليابان، والهند، واسبانيا، وكمبوديا، وشمال افريقيا وإيطاليا، ولكنها تكون بأسماء مختلفة، ففي الإحساء تسمى (خرز)، وفي ايران تسمّى (قناة)، وفي اليابان (مامبو)، ولكنّها أخذت في عمان اسم (الأفلاج)، و(الفلج) في أبسط تعريف له، وأشمل هو “نهر صغير” كما ورد في لسان العرب لابن منظور، والحكم لابن سيدة الاندلسي.

ويرى جي. وس، ولكنسون أن “الكلمة مشتقّة من جذور سامية قديمة تعني (التقسيم) وما يقابل الفلج في اللغة العربية هو تقسيم الملكية الى أنصبة”، وهذا دليل أنّها قديمة قدم الإنسان العماني، الذي شقّها، ناسفا الأسطورة التي تقول أن النبي سليمان بن داوود (ع) حينما زار عمان على بساط الريح أمر خدمه من الجن بأن يبنوا عشرة آلاف قناة في عشرة أيام، هذه الأسطورة، التي تظلّ في إطارها الأسطوري، دليل على قوّة إنسان هذا المكان، وعظم ما قام به، من عمل أصبح جزءا لا يتجزّأ من حياته.

وأذكر أنّني قبل شهور عديدة، تلقيت دعوة من صديق مع مجموعة من الزملاء لزيارة منزله الكائن في وادي بني خالد، وبعد تناولنا الطعام، خرجنا لتنظيف أيدينا، فخيّرنا بين المغاسل، وغسلها بماء الفلج، ففضّلت الخيار الثاني، حبّا بالتغيير، ومن باب التجربة، رغم اضطرارنا لمغادرة البيت، ولكن بعد عدة خطوات، من غرفة الاستقبال وجدنا أنفسنا عند فلج يخترق البيت!، فعلمت أن الأفلاج متغلغلة ليس فقط في شرايين عمان جغرافيا، بل حتى في وجدان حياة الإنسان العماني، وثقافته، وتاريخه، وحكاياته الشعبية، وأمثاله، من هنا تأتي أهميّة تخصيص “يوم الفلج” للاحتفاء به ، وهذه هي التوصية التي أنهى بها الغافري محاضرته إلى جانب توصية ثانية مهمّة، وهي إنشاء مركز للبحوث والدراسات يختصّ فقط بدراسة الأفلاج، ونكون بذلك قد ساهمنا بالتخفيف عن الظلم الواقع على هذا الكائن الحي.

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: صلاة الرجال مع النساء.. باطلة!

عدد المشاهدات = 3914 نشر فضيلة الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب على صفحته الرسمية على …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.