الجمعة , 29 مارس 2024

عبد الرزّاق الربيعي يكتب: “زهرة المدائن “..درس في التخريب!

= 976

“القدس عروس عروبتكم”
هكذا وصفها الشاعر الكبير مظفّر النوّاب، في مطلع سبعينيات القرن الماضي بقصيدة حقّقت انتشارا واسعا،في تلك السنوات المدافة بالخيبة، والحسرة على ما ضاع، وقد سمعت له تسجيلا، وهو يلقي القصيدة في محفل يبدو كبيرا، كما يتبين من تصفيق، وتفاعل الجمهور مع مقاطعها، ورغم تحفّظنا على لغة الإنفعال في القصيدة، واللهجة الخطابيّة الحماسيّة التي تخرج عن روح الشعر، لكنّها جسّدت، ووثّقت للغة المرحلة، وما تضمّنته من إلتباسات بسبب “المدّ الثوري” للمناخ السياسي الذي كان سائدا، ورغم ذلك تبقى القصيدة علامة دامية في جلد الذات العربيّة، لذا نستحضرها كلّما واجهنا نكبة جديدة، فقدنا خلالها جزءا من عناوين كرامتنا، وتحسسنا جرح فلسطين الدامي، والقدس الجريحة، فنسمع صدى لوعته:
” القدس عروس عروبتكم
فلماذا أدخلتم كلّ زناة الليل إلى حجرتها
ووقفتم تسترقون السمع وراء الأبواب لصيحات بكارتها
وشحذتم كل خناجركم
وصرختم فيها أن تسكت صونا للعرض”
لقد رسم النوّاب في هذا المشهد صورة موجعة لمدينة على هيئة امرأة تخلّى عنها الجميع، وتركوها فريسة للذئاب البشريّة، على مرآهم، ومسمعهم، وبدلا من نجدتها اتّهموها باطلا بالخروج عن الأعراف، وهذا هو حال المدينة المقدّسة في الديانات الثلاث: اليهودية، والمسيحية، والإسلام،أولى القبلتين، وثالث الحرمين، التي كان المسلمون يتوجهون صوبها في الصلاة حتى السنة الثانية للهجرة عندما تحوّلوا في صلاتهم لمكة المكرّمة، بأمر سماوي، وإليها أسرى الرسول الكريم (ص)، وفيها مسجد قبّة الصخرة، والمسجد الأقصى، والكثير من الأماكن المقدّسة، فهي بحق” زهرة المدائن” كما وصفتها فيروز في واحدة من أشهر أغاني الأخوين رحباني، وقد غنّتها عقب نكسة 1967، لذا فـإليها:
“عيوننا ترنو كلّ يوم
تدور في أروقة المعابد
معابد الكنائس القديمة
وتمسح الحزن عن المساجد”
لكنّ الحزن ظلّ مخيّما على مساجدها، وكنائسها، فالمدينة التي صُلب فيها السيّد المسيح، ويعود تاريخ إنشائها إلى ماقبل 5 آلاف سنة، لم تعرف السلام، وكانت تسمّى “مدينة السلام” فقد عانت من الويلات، فقد تعرّضت للكثير من النكبات، والتدمير، والحصارات التي بلغت(23) مرّة، والهجمات التي عدّت بـ(52)، والغزوات، ويعود صوت النواب:
“خلوها دامية في الشمس بلا قابلة
ستشد ضفائرها وتقيء الحمل عليكم”
فلا غرابة أن تتعرّض اليوم لقرار تعسّفي أصدره الرئيس الأمريكي ترامب بالاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إليها، ولم يصدر عن الدول العربيّة غير بيانات الشجب التي جاء بعضها على استحياء!
وهنا يعود صوت النواب بقوّة، وهو يكرّر في المقطع الأخير من قصيدته، ثلاث مرّات “سيكون خرابا..
سيكون خرابا
سيكون خرابا
هذي الأمّة لابد لها أن تأخذ درسا في التخريب”
وها نحن اليوم، وسط تراجع شامل، في أوضاع الأمة، نرى نبوءة الشاعر قد تجسّدت، فما نشهده اليوم ليس سوى درس في تخريب الذاكرة، والتاريخ، والحاضر!

فهل سنعي الدرس!؟

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: سندوتش المدرسة.. صدقة وزكاة

عدد المشاهدات = 7052 لا ينكر إلا جاحد ان الشعب المصرى شعب أصيل، شعب جدع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.