الخميس , 25 أبريل 2024

عبدالرزّاق الربيعي يكتب: صفعة الماضي..وقبلة الحاضر!

= 2186

تبقى بعض حوادث الماضي المؤلمة محفورة في الذهن، تقضّ مضجع الحاضر، وبخاصّة التي تقع في السنوات الأولى من عمر الإنسان، كما رأيت في رسالة مفتوحة قصيرة بعثها أحد الأشخاص، لنائب مدير مدرسته الذي تلقّى منه 6 ضربات، لذنب لم يرتكبه، فبثّ في تلك الرسالة لواعجه، بكلّ ألم، ومما جاء في الرسالة التي نشرها في مواقع التواصل الاجتماعي:

” لاحقتك لعنات الطفل الذي بداخلي سنوات طوال، لم تعلمني، بل أشعلت في داخلي حقدا دفينا عليك”، وسبب ذلك أنّه أحسّ بوقوع ظلم عليه، في مرحلة كان بها لاحول له، ولا قوة!

ورغم أنّ الحادثة مرّت عليها سنوات طويلة، لكن تلك الضربات الست لم تغادر ذاكرته، بل ظلّت محفورة، مثل”النقش على الحجر”، وأيّ نقش ينغّص المزاج!!، كما رأينا في اللغة الحادّة التي كتبت بها الرسالة، وهنا تكمن الخطورة، فكم من تلميذ ترك المدرسة، بسبب صفعة من معلّم، وإلى جانب التشوّهات التي تتركها على نفسيّة التلاميذ، لها انعكاسات سلبيّة على المستوى الاجتماعي، والعلمي، فقد تسبّبت، على المدى البعيد، في تراجع التعليم، وانتشار الجهل، والأمية في مناطقنا العربيّة.

وللحدّ من ظاهرة العقاب الجسدي، تشدّد وزارات التربية والتعليم في عالمنا العربي على منع الضرب في المدارس، فسنّت عقوبات شديدة على المخالفين، بل أن دار الإفتاء المصرية أصدرت في مارس 2015 م فتوى بعدم جواز ضرب التلاميذ فى المدارس، وطالبت بتوقيع العقوبة على ممارسيه، وذلك كي ينشأ الجيل الجديد بلا ذاكرة مشوّهة، متخمة بأحداث مؤلمة، لا تنسى، كما حصل مع صاحبنا “يونس” وهذا هو اسمه، أو ما جرى لطالب سعودي ثأر من معلمه بصفعه على وجهه أمام الحضور بعد مرور 18 عاماً من تلقيه صفعة على وجهه من نفس المعلم الذي ضربه في الصف الخامس الابتدائي بسبب اتهام زملائه له بإثارة الفوضى أثناء الحصة، كما جاء في خبر نشرته صحيفة “اليوم ” السعودية، مضيفة” وأمام الحاح المعلم قام الطالب بصفع المعلم بطريقة أثارت دهشة الحضور، وأتبعها الطالب بقبلة على جبينه، ليوضح له أنه لم يرد سوى التذكير بالماضي عن طريق المزاح”.

ويستند الذين يدافعون عن العقاب الجسدي على بعض الأحاديث الشريفة، كقوله (ص) “مروا أبناءكم بالصلاة لسبع سنين، واضربوهم عليها لعشر سنين”، وتفسّر الديار المصرية للإفتاء، هذا الحديث، كما جاء في بيان نشرته “اليوم السابع” “يُحمَل الضرب الذي ورد ذكره في بعض الأحاديث النبوية الشريفة؛ هو في الحقيقة نوع من التربية، والترويض، والتأديب النفسي، ويُقصَد به إظهارُ العتاب، واللوم، وعدم الرضا عن الفعل، وليس ذلك إقرارًا للجلد، أو العقاب البدني”.

وأجد الكثير من المبالغة في حكاية محمد الفاتح خلال الفترة التي قضاها حاكماً على أماسيا، وكان ابن احد عشر عاما، فارسل السلطان مراد الثاني إليه عددًا من المعلمين، لكنه لم يمتثل لأمرهم، فطلب مراد الثاني ، رجلاً له مهابةٌ وحدّة، فذكر له “أحمد بن إسماعيل الكوراني”، فجعله معلمًا لولده، وأعطاه قضيبًا يضربه به إذا خالف أمره، فذهب إليه، ودخل عليه والقضيب بيده، فقال: “أرسلني والدك للتعليم، والضرب إذا خالفت أمري”، فضحك الفاتح من ذلك الكلام، فضربه الكوراني في ذلك المجلس ضربًا شديدًا، حتى خاف منه، وختم القرآن، وأرى أنّها من وضع المعلّمين الذين يجدون في الضرب أقصر الطريق للتعليم، غير عابئين بما تخلّفه من آثار نفسيّة سلبيّة على الطالب في تلك السنوات المبكّرة من عمره!

فمن ذا الذي يجرؤ على ضرب ” حاكم”،وابن السلطان مراد الثاني “ضربا شديدا” كما ورد في الخبر!!؟

وإذا كان العقاب الجسدي مسموحا به في مدارس بعض الولايات الأمريكية، لأسباب لا أجد لها تفسيرا، فهو ممنوع في أوروبا، فالحياة تغيّرت، والأساليب التربويّة تطوّرت، والعقاب يمكن أن يكون بطرق مختلفة غير الإيذاء الجسدي، والنفسي، ولم يعد الضرب أسلوبا ناجحا، لذا فبدلا من صفعة الأمس، علينا زرع ذكرى جميلة في ذاكرة الأجيال الجديدة.

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: فجوة بين الشباب ورجال الدين

عدد المشاهدات = 3503 منذ فترة طويلة وانا اشعر بوجود فجوة عميقة فى العلاقة بين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.