الجمعة , 19 أبريل 2024

الإيمان ..ومكارم الأخلاق (1)

= 5939

أعدته للنشر: فاطمة الرفاعي

يقول ابن تيمية – رحمه اللّه تعالى- ما خلاصته: «إذا كان الإيمان أصله الإيمان الذي في القلب، وأنه لابد فيه من شيئين: الأول تصديق بالقلب وإقراره ومعرفته وهذا هو التوحيد، والآخر عمل القلب وهو التوكل على اللّه وحده ونحو ذلك من حب اللّه ورسوله، وحب ما يحب اللّه ورسوله، وإخلاص العمل للّه وحده، كانت أعمال القلب من الحب والإخلاص والخشية والتوكل ونحوها داخلة في الإيمان بهذا المعنى، وكانت الأخلاق الكريمة داخلة فيه أيضا، وأما البدن فلا يمكن أن يتخلى عن مراد القلب لأنه إذا كان في القلب معرفة وإرادة سرى ذلك إلى البدن بالضرورة، ولهذا قال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب»

إن الإيمان بذلك هو مناط تكوين القيم الخلقية والاجتماعية ونحوها، وهو أيضا مصدر الإلزام الخلقي، لأنه هو المسيطر على كل غرائز الإنسان وشهواته، والمتحكم في أحاسيسه ودوافعه.

صاحب الخلق السيء في النار وإن كان من الصوام القوام

بعض المنتسبين إلى الدين، قد يستسهلون أداء العبادات المطلوبة ويظهرون فى المجتمع العام بالحرص على إقامتها وهم فى الوقت نفسه يرتكبون أعمالا يأباها الخلق الكريم والإيمان الحق..إن نبى الإسلام توعد هؤلاء الخالطين، وحذر أمته منهم. ذلك أن التقليد فى أشكال العبادات يستطيعه من لم يُشرب رُوحها، أو يرتفع لمستواها.

ربما قدر الطفل على محاكاة أفعال الصلاة وترديد كلماتها..ربما تمكن الممثل من إظهار الخضوع وتصنع أهم المناسك..لكن هذا وذاك لا يغنيان شيئا عن سلامة اليقين ، ونبل المقصد.

والحكم على مقدار الفضل وروعة السلوك يرجع إلى مسار لا يخطئ، وهو الخلق العالى!

وفى هذا ورد عن النبى أن رجلا قال له: يا رسول الله : إن فلانة تذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها غير أنها تؤذى جيرانها بلسانها. فقال: “هى فى النار”. ثم قال: يا رسول الله فلانة تذكر من قلة صلاتها وصيامها .. وأنها تتصدق “بالأثوار من الأقط ” بالقطع من العجين ولا تؤذى جيرانها. قال: “هى فى الجنة” !.

في هذه الإجابة تقدير لقيمة الخلق العالي، وفيها كذلك تنويه بأن الصدقة عبادة اجتماعية، يتعدى نفعها إلى الغير ، ولذلك لم يفترض التقلل منها كما افترض التقلل من الصلاة والصيام ، وهى عبادات شخصية في ظاهرها.

إن رسول الإسلام لم يكتف بإجابة على سؤال عارض ، في الإبانة عن ارتباط الخلق بالإيمان الحق ، وارتباطه بالعبادة الصحيحة ، وجعله أساس الصلاح في الدنيا والنجاة فى الأخرى. إن أمر الخلق أهم من ذلك ، ولابد من إرشاد متصل ، ونصائح متتابعة ليرسخ فى الأفئدة والأفكار ، إن الإيمان والصلاح والأخلاق ، عناصر متلازمة متماسكة ، لا يستطيع أحد تمزيق عراها.

لقد سأل النبي أصحابه يوما : “أتدرون من المفلس؟! قالوا : المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع .. فقال: المفلس من أمتى من يأتى يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام ، ويأتى وقد شتم هذا ، وقذف هذا ، وأكل مال هذا ، وسفك دم هذا ، وضرب هذا ، فيُعطى هذا من حسناته ، وهذا من حسناته ، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه ، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ، ثم طرح فى النار”.

ذلك هو المفلس : إنه كتاجر يملك فى محله بضائع بألف ، وعليه ديون قدرها ألفان ، كيف يُعد هذا المسكين غنيا، والمتدين الذى يباشر بعض العبادات ، ويبقى بعدها بادى الشر ، كالح الوجه ، قريب العدوان كيف يحسب امرءا تقيا؟

فإذا نمت الرذائل فى النفس ، وفشا ضررها ، وتفاقم خطرها ، انسلخ المرء من دينه كما ينسلخ العريان من ثيابه ، وأصبح ادعاؤه للإيمان زورا ، فما قيمة دين بلا خلق؟!! وما معنى الإفساد مع الانتساب لله؟!! وتقريرا لهذه المبادئ الواضحة فى صلة الإيمان بالخلق القويم ، يقول النبى الكريم صلى الله عليه وسلم: ” ثلاث من كن فيه فهو منافق ، وإن صام وصلى وحج واعتمر ، وقال إنى مسلم : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا أؤتمن خان ” .

وقال صلى الله عليه وسلم فى رواية أخرى: “آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا عاهد غدر ، وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم “! .

وقال كذلك: “أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ، ومن كان فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا أؤتمن خان ، وإذا حدث كذب ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر”.

—–

وللحديث بقية بمشيئة الله.

شاهد أيضاً

المفتي: دار الإفتاء تستقبل 5000 فتوى طلاق شهريا يقع منها واحد في الألف

عدد المشاهدات = 6109 أعلن الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، أنه يأتي إلى دار الإفتاء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.