الخميس , 25 أبريل 2024

بسمة عبدالقادر تكتب: رَجل الحقيقة.. “قصة قصيرة”!

= 2922

جلست في مواجهة المرآة، تركت نفسي كدمية بلاستيكية تستكين بين أنامل (حمدي)، أخذ يوزع بودرة بيضاء على بشرتي السمراء وهو يغني بانسجام “وقابلته نسيت إني خاصمته ..” ، ابتسمت لإعجابه بنفسه أمام المرآة ، سألته باهتمام:

– لديك ميعاد اليوم؟
– اليوم وكل يوم.

اندهشت من لامبالاته بما يجري في العالم، باستثناء مغامراته العاطفية المستمرة، حتى طموحه كشاب توقف عند الفُرش ومساحيق التجميل، سألته مجددا:

– انت خريج حقوق .. صحيح؟

أصدر صافرة موسيقية بفمه معربا عن عدم اكتراثه بسؤالي، تابع عمله في مسح شعري بمادة كريمية نفاذة الرائحة ، زاد إصراري في استخراج أفكاره فسألته:

– بالأمس فاز الرئيس الفرنسي الشاب بالرئاسة .. ألم تتابع الحدث؟
– سمعت ولكن لم أتابع.

قال بدون مصاحبة لأي تعبيرات على وجهه، ثم أردف قائلا:
– موضوع حلقة اليوم عنه؟
– بكل تأكيد .. هو موضوع الساعة.

التقط حمدي قلم الكُحل والأسود وقبل أن يحدد عيني، تحدث عن ما يجول في عقله:

– الغرب يعترف بقدرات الشباب على عكسنا .. ربما لدينا اعتبارات أخرى.

لم أعقب، اكتفيت بالتقاط طرف الخيط في محاورة مع عقلي “الغرب يعترف بالشباب نعم.. ولم لا يثق بقدرات أهلها منذ الطفولة حتى أصبحت قادرة على الحلم والابتكار! .. هناك يمكن لشاب في الرابعة عشر أن يرسم أهدافه ويتبعها بدقة دون عبث .. أما لدينا ماذا يمكن لشاب مفلس فكريا وعلميا أن يبني كيان ناجح إلا بالاحتيال والخداع! .. فإن لم يملك مؤهلات لذلك فالأولى به أن يسلك مسلك (حمدي) .. يتخرج من الجامعة ليس لفائدة أكثر من التباهي بمؤهله بين الناس ولا سيما لاغراء فتاة يتقدم لخطبتها..

أي شاب هذا الذي نترك له مسؤولية دولة فقط لأنه شاب يحمل بعض الأفكار المتجددة!، ولا أدري أي تجدد يتحدثون عنه إن كان هذا التجدد مستورد من دول أخرى .. ربما يسخر الشباب من كهولة المسؤولين ليس عن علم وإنما لجهلهم بسنوات الخبرة والشقاء التي مر بها هذا المسؤول حتى وصل لمكانته .. على أقل تقدير الكهل يحاول أن يحافظ على ثبات دولته ولا يُقدم على مغامرة طائشة يسقطنا بها إلى القاع على غرار الشاب الطموح .. وأي طموح لشاب لا يعي عدم قدرته على القيادة بأي شكل من الأشكال! ..”

اجتذبني (حمدي) من شرودى:
– انتهينا يا أستاذ .. حان وقت العرض.

قمت منتفضا أرتب سترتي الأنيقة أمام المرآة، أتباهى بوجهي الذي بدا أصغر عشرين عاما، اتخذت مكاني أمام الكاميرا ورحت أرتب اوراقي وأتأهب بمقدمة قوية كعادتي، افتتح الهواء؛ فتحدثت بنبرة لا تخلو من الحماس:
– مساء الخير .. مساء لا يخلو من حس الشباب .. و ما أجمل الثقة في طموح الشباب ..”

هكذا بدأت دون أن أنسى الاسترشاد من التاريخ بروايات عن قيادة الشباب الناجح وأثرها على الأمم، لقد أشعلت القلوب المتعطشة للأمل ، واجتذبت عددا أكبر من المشاهدات، وما الذي يهم غير ذلك؛ أمام الكاميرا أطلق عباراتي الرنانة، وأفلت دعواتي المدغدغة للحماسة، أنا رَجل الحقيقة، والحقيقة لها وجهان، تتهافت عليها الأعين والآذان، وهذا ما ألمت به سنواتي الطويلة في الإعلام.

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: فجوة بين الشباب ورجال الدين

عدد المشاهدات = 2993 منذ فترة طويلة وانا اشعر بوجود فجوة عميقة فى العلاقة بين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.