الخميس , 25 أبريل 2024

كيف تخرج السمكة من الزجاجة؟

= 2519


بقلم: د.علا المفتي

في ليلة الامتحان ،جاء الطفل باكيا ،إلى والده يشكو من صعوبة المادة ،التي يذاكرها ،وينعت نفسه بالفشل ،والغباء. انزعج الوالد بشدة من حالة طفله ،وحاول أن يهدئ من روعه ،ويبث في نفسه الطمأنينة. لكن الطفل لم يستجب ،واستمر في البكاء. وهنا جاءت الأم مهرولة ،لتستطلع الأمر. ثم ابتسمت واحتضنت طفلها بحنان ،وقالت: دعك من المذاكرة الآن ،فقد ذاكرت لوقت طويل ،وهذا أرهق أعصابك ،وأضعف تركيزك. فلتأخذ قسطا من الراحة وتلعب قليلا. ما رأيك أن نلعب أنا ،وأنت ووالدك لعبة مسلية؟!

اندهش الطفل ووالده ،من كلمات الأم ،وعدم تقديرها لحجم المشكلة التي يعانيها الابن. فها هو مقدم على امتحان نهاية العام الدراسي ،ولا يستطيع المذاكرة ،فكيف له أن يلعب؟! ولما لاحظت الأم دهشتيهما ،تجاهلت الأمر تماما وقالت: لنلعب لعبة الفوازير. سأقول لكم فزورة ،وعليكم حلها. كان هناك طفل يلعب ذات يوم على شاطئ البحر ،ثم شاهد من بعيد زجاجة ،بها الوان زاهية لامعة. فجرى نحوها ليكتشفها. وعندما أمسك بالزجاجة ،وجد بها سمكة ذهبية جميلة. فأراد أن يخرج السمكة من الزجاجة ،دون أن تموت السمكة ،أو تكسر الزجاجة. فيا تري ماذا عليه أن يفعل؟!

استغرق الأب ،وابنه في التفكير ،كي يجدا حلا للغز الأم. وأخذا يطرحا عليها الإجابات ،التي لم تكن صحيحة. وعندما بلغت الحيرة بهم مداها ،قال الأب في ملل: من أدخل السمكة في الزجاجة ،عليه أن يخرجها منها بنفسه.

وهنا صاحت الأم فرحة: صحيح هذا فعلا هو الحل. فنظر إليها الابن في تساؤل ،فأكملت الأم كلامها موجهة حديثها للابن: إن السمكة يا حبيبي ،هي أفكارك ،والزجاجة هي عقلك. وأنت حبست في عقلك فكرة خاطئة ،وهي أن المادة التي تذاكرها صعبة ،وأن المذاكرة مملة.

لذلك كلما ذاكرت ستشعر بالضيق ،ولن تفهم شيئا مما تذاكره. عليك أن تغير فكرتك ،لتتغير حالتك. فكم من زميل لك ،ذاكر تلك المادة ،وفهمها ونجح فيها. عليك أن تحب ما تفعله ،حتى تنجح فيه. وعليك أن تحفز نفسك ،وتشجعها ،ولا تصف ذاتك بالغباء والفشل ،فأنت تتصرف ،حسب أفكارك التي تراها عن نفسك.

حقا أصابت هذه الأم ،فنحن نتاج أفكارنا. فإن تملكتنا الأفكار السلبية عن ذواتنا ،فسنصير فاشلين سلبيين ،والعكس صحيح. فنحن نغذي عقلنا اللاوعي ،بعبارات سلبية هدامة عن أنفسنا ،فنحبط ذواتنا ،ونعيش تعساء مؤرقي الأرواح. لكن لماذا نفعل ذلك بأنفسنا؟

إن أفكارنا عن ذواتنا ،تنبع عادة من أراء الآخرين ،ومن خبراتنا التي مررنا بها ،ومن مدى ثقتنا بقدراتنا. فإن أعطينا اهتماما كبيرا لأراء الآخرين فينا ،والتي قد تكون كثيرا منها غير حقيقي أو مبالغ فيه ،فسنهدم ذواتنا بالتدريج. كما أن تعرضنا لبعض الخبرات السيئة والفاشلة ،قد يزعزع إيماننا بأنفسنا ،وثقتنا في ذواتنا. لذا فعلينا أن نعي جيدا أن كل منا ناجح بطريقة ما. وأننا جميعا نمتلك مواهب ،وقدرات خاصة تميزنا عن الآخرين. فلا داعي لأن نقارن أنفسنا بغيرنا ،أو أن نعطي قيمة مبالغ فيها لآراء الأخرين عنا ،خاصة لو كانت آراء سلبية.

وعلينا أن نتيقن من ،أننا بشر نخطئ ونصيب. وإذا فشلنا اليوم ،فسننجح في الغد. وعلينا أن نكرر محاولاتنا لبلوغ الهدف ،مهما فشلنا. وأن ندرس أخطاءنا ،كي نصوبها. وأن نشجع ذواتنا باستمرار ،لبلوغ أهدافنا المنشودة ،وتحقيق أحلامنا. وذلك لن يحدث ،إلا إذا كنا أصحاب نظرة تفاؤلية ،وعلى وعي تام أن الفشل ،هو أول درجة في سلم النجاح.

والسؤال الآن ،كيف نكون إيجابيين ،نحفز ذواتنا نحو النجاح؟! أو بمعنى آخر كيف نخرج السمكة من زجاجتنا؟

علينا أولا ،أن نحدد فكرتنا السلبية عن أنفسنا ،أو عن الموضوع الذي يؤرقنا ،وندونها في ورقة. فكتابة الأفكار على الورق ،تجعل الفكرة مادية ملموسة أمامنا ،وتنظم عقلنا وطريقة تفكرينا المشوشة.

ثانيا نكتب لماذا تلك الفكرة سلبية. ولماذا فكرنا فيها بهذه الطريقة ،ولم نفكر فيها بطريقة متفائلة.

ثالثا نكتب الفكرة السلبية بطريقة إيجابية. فمثلا إذا كانت الفكرة السلبية: أنا سأرسب في الامتحان ،لأن المادة صعبة. فيمكن تحويل هذه الفكرة السلبية ،إلى أخرى إيجابية فنقول: أنا ناجح في هذا الأمتحان ،لأني أذاكر ،والمذاكرة تجعل المادة أسهل. ولقد نجحت في مواد أصعب منها فيما سبق.

وأخيرا ،علينا أن نخاطب أنفسنا ،بأفعال إيجابية في زمن المضارع باستمرار ،ونكرر ذلك بكثرة يوميا ،حتى تترسخ الأفكار الإيجابية في عقلنا اللاواعي ،وتحل محل نظيرتها السلبية.

ولنتذكر ،أننا أبناء أفكارنا. فإن صلحت صلحنا ،وإن فسدت فسدنا.

———

* مدرس أدب وثقافة الطفل، كلية البنات، جامعة عين شمس.

شاهد أيضاً

د. عائشة الجناحي تكتب: لو كان خيراً

عدد المشاهدات = 2797 ألطاف رب العالمين تجري ونحن لا ندري، فكل شر يقع بنا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.